الحمد لله، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه، أما بعد فلقد عجبت من المقالة التي كتبها د . حمزة السالم وفقه الله لإصابة الحق في صحيفة الجزيرة في العدد (12959) بتاريخ (6-11-1434ه ) بعنوان ( السلفية على فراش الموت ) فهي مقالة فيها قياس باطل، وتناقض ظاهر، ومغالطات مكشوفة، وتضليل مقصود أو غير مقصود. ولن أفنّد أخطاءه جميعها، ولكن سأشير إلى طرف من ذلك، يستبين به خطأ الكاتب، فأقول معتمداً على الله وحده: أولاً : دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب دعوة تجديدية ، تدعو الناس إلى إخلاص الدين لله، وحسن الاتباع لرسوله صلى الله عليه وسلم، في العقيدة، والشريعة، والسلوك، والأخلاق، والمنهاج، بعيداً عن الحزبية والقطرية والنفعية، فهي إذن دعوة للإسلام الخالص من شوائب الشِّرك والبدع، وهو ما أقرّ به الكاتب في قوله: (دعوة سلفية أحيا الله بها كثيراً من أصول دينه، وجمع الله بها دولة، وأعزّ الله بها ديارنا وأهلنا). ثانياً : إذا نسب بعض المنتحلين طريقة إمام الدعوة أو المنتسبين إليها إلى الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ما هو منه برئ في دعوته فلا يصح أن يقال : إنّ الدعوة مريضة أو على فراش الموت ؛ لأن لازم ذلك أنّ الإسلام على فراش الموت إذا فعل المسلمون ما يخالف الكتاب والسنّة وهو كثير في عصرنا ؟ فالمرض في المكلّف وليس في الإسلام، وما دعوة الشيخ إلاّ دعوة الإسلام والسنّة، ومن افترى عليها غير ذلك فليس عنده من الأدلة إلاّ التشغيب والكذب دون الحقيقة والبرهان. وحينئذ نقول : يجب أن نحاكم أفعال الناس إلى الكتاب والسنّة، لا أن نجعل أفعال الناس هي المفسّرة للكتاب والسنّة، الحاكمة عليهما، ومثله من انتحل الدعوة السلفية يجب النظر في مدى موافقة أفعاله للدعوة وأصولها، لا أن نذم الدعوة ونلمزها بل ونسعى لطرحها لغلط أو سوء عمل من منتسب إليها، كما صنع الكاتب هداه الله _. ثالثاً : وصف الكاتب الدعوة ( بالمريضة ) ولم يذكر مظهراً واحداً لذلك؛ لأنه لا يستطيع لذلك سبيلاً، ولكنها دعوى بلا بيّنة، ومجرّد كلام كل يحسن أن يقول مثله. رابعا : قول الكاتب: (كدولة الطالبان الأفغانية التي طبّقت الدعوة النجدية روحاً وجسداً) هذا مما يعزّز عدم معرفة الكاتب بدعوة الشيخ محمد، ولا بحقيقة طالبان، فالدعوة النجدية دعوة سنّية سلفية ، وأما طالبان فعندهم من المخالفات لأهل السنّة في التوحيد والسلوك والدعوة والسياسة الشرعية ما هو معلوم عند العام والخاص من أهل السنّة سوى الكاتب هداه الله للحق، فهذا قياس باطل، وتغييب للحقائق، وخلط للأوراق. خامساً : قول الكاتب: (والتخلّي عن الدعوة النجدية هي مطالب كثير من السعوديين السلفيين فضلاً عن غيرهم) دعوى عريضة، تسقط بالأسئلة الآتية: كيف رصد الكاتب هذا التوجُّه؟ ومتى رصده؟ وما مظاهره؟ وما أدواته فيه؟ بل أقول: إنه بهذا الكلام يرمي كثيراً من السعوديين بالتخلّي عن الكتاب والسنّة ومنهج السّلف الصالح، فالكاتب مطالب بإثبات أنّ هذه الدعوة ليست على الكتاب والسنّة، ولن يستطيع ذلك، أو إثبات المحاولات المزعومة للتخلّي عن الدعوة مع كونها على الكتاب والسنّة من قِبل كثير من السعوديين، ولن يستطيع كذلك. سادساً : حاول الكاتب الفصل بين الدولة والدعوة ؛ فذكر أنّ تصحيح الجسد (وهو الدولة) لا يصح إلاّ بالتخلّص من الروح، وهي (الدعوة) وهذا أمر خطير للغاية، فهل يريد الكاتب أنّ الدولة لن تتقدم إلاّ بفصل الدين عن الدولة ؟ أو هل يريد الكاتب أن تتحوّل الدولة من كونها دولة سنّية إلى كونها دولة بدعية ؟ أو هل يريد أن تتخلّى عن الإسلام بالكلية ؟ أو ماذا يريد ؟ ويرشح الأول قوله : ( فكر المدرسة السلفية الجامدة التي هي أساس البنية التحتية للقضاء والمشرّعين. والتناقض بين فكر المُشرّع وفكر المنفّذ يخلق صعوبات لا يفهم الطرفان سببها)، فهل يريد الكاتب بهذا أن نحكم بغير ما أنزل الله؟ أو يريد أن نكون ماديين فقط مماثلين لمن ذمّهم الله في قوله : {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}؟ سابعاً : الخلاصة التي يرمي إليها المؤلّف هو أنه لا يمكن التطوّر والتقدم إلاّ بالتخلّي عن الدعوة لعجزها عن مواكبة ذلك، ولا شك أنّ الكاتب ارتكب خطأ فاحشاً ؛ نتيجة عدم تفريقه بين ما لا يمكن أن يتغيّر حكمه مطلقاً، وما يمكن أن يتغيّر بتغيُّر الحال أو الزمان أو المكان، وكذا عدم تفريقه بين المسائل المنصوص عليها ومسائل الاجتهاد، وكذلك عدم تفريقه بين ماكان توقيفياً والأصل فيه الحظر، وما ليس كذلك والأصل فيه الحل من المعاملات، وكل هذا يرعاه أئمة الدعوة وغيرهم من العلماء، وكذلك لم يمنع علماؤنا من الإفادة من خبرات غيرنا وعلومهم ما لم تكن تتعارض مع أحكام الشريعة، وما الاتفاقيات والعقود المبرمة مع الدول والشركات والجامعات العالمية واستقطاب الكفاءات من الدول كافة إلاّ شاهد على ذلك . وهذا هو الانفتاح والسعة والوسطية، وهو بخلاف ما يصوّره الكاتب من أنّ الدعوة منغلقة على نفسها ومتشدّدة وضيّقة. وهذه الدولة جمعت بين الدين والدنيا، وتبوأت مراتب متقدمة في الثقل السياسي والاقتصادي العالمي، وباتت حاضنة المسلمين في العالم بلا منازع، مع وفور الأمن ورغد العيش، والتقدم في المجالات قاطبة، وغيرُها من الدول الإسلامية وهي دول كثيرة اتخذت من النظام العلماني طريقاً لها ؛ فخسرت الدين والدنيا، وهذه حقيقة ماثلة فماذا عسى أن يكون جواب الكاتب عنها؟ ثامناً : أقول للكاتب نحن بحمد الله في هذه البلاد بولاة أمرنا وعلمائنا وشعبنا مؤمنون بأننا أحياء مادمنا متمسكين بالكتاب والسنّة اللذين هما أساس الدعوة النجدية، كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} والدعوة السلفية تنتشر في العالم بشكل واسع؛ لموافقتها للفطرة، وتعاطيها مع المستجدات بأصول محكمة، ورعايتها للمقاصد الشرعية ؛ فكيف يدعو الكاتب إلى التخلّي عنها؟ لكن أذكِّر الكاتب وغيره بقوله تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} تاسعاً : أرجو من الكاتب أن يعيد النظر فيما كتب ليصحّح عبارته، ويرجع عن خطئه، وليتذكّر قوله تعالى : { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ } وقوله: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}. أسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وصلّى الله وسلم على نبيِّنا محمد وآله وصحبه . عبدالعزيز بن محمد السعيد - عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية