من المعروف أن الإسلام هو دين الفطرة دين التوحيد الَّذي يلبي حاجة المرء وينظم حياته ويتوافق مع طبيعة خلقه وتكوينه ولا يخفى على أحد مِنَّا. وقد قال المولى عزَّ وجلَّ في محكم كتابه: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} وكنتم ليس حديثاً عن الماضي وإنما تعني صرتم وأصبحتم بتحملكم مسؤوليَّة الدعوة خير أُمَّة أخرجت للناس.. هكذا أخرجت وليس خرجت والفرق بين المعنيين كبير فمن خرج من نفسه ليس كمن أخرج لهذه المهمَّة فنحن الأمة الإسلاميَّة لم تخرج للناس لدعوتهم وإنما أخرجها الله لإرشاد البشر وإصلاح الناس وقيادتهم... وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام (إنما بعثتم مبشرين ولم تبعثوا منفرين) فنحن أمة في أمة فالأمة الإسلاميَّة هي أمة الدعوة الشاملة والدعاة هم أمة الدعوة لأنهم من هذه الأمة.. ومن الأمور التي أصبحنا نشاهدها ونلاحظها بكل أسف شديد الكثير منا (غافل) عن كتاب الله الكريم لا يُقرأ إلا في أوقات معينة أو مناسبات سنويَّة - أتمنى أن أكون مخطئاً في اعتقادي هذا. حيث إن كتاب الله الكريم الذي بين أيدينا الذي نزله الباري عزَّ وجلَّ رحمة لعباده ليخرج به الناس من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى طريقه المستقيم ويرشدهم إلى صلاح دينهم ودنياهم وآخرتهم. هذا الكتاب العظيم الذي أصبح لدى كثير منَّا مهجوراً سواء في قراءته أو تدبر معانيه والوقوف عند عجائبه الذي وصفه خالق السموات والأرض قائلاً (( إنه ربيع قلوب العارفين وأنس المؤمنين وبهجة الموحدين وبستان العارفين ومفخرة المسلمين )) فيه سعادة الدنيا والآخرة وهو الحبل المتين بين الله سبحانه وتعالى وبين عباده العالمين به العاملين بما فيه، وهو سفينة النجاة والحصن الحصين من الشيطان الرجيم وفي قراءته وتدبره والاستشعار بمعانيه وتفسيره لذَّة عظيمة وأنس كبير لا يشعر به إلا من جربه ومن توقف عند معانيه يجد في آياته منتهى البلاغة والبراعة وفي غاية الانسجام والتوافق والفصاحة، فلا مثيل له في حلاوته ولا في طلاوته ولا حكمه وإحكامه ولا في جمال تركيبه وحسن أسلوبه، وهو من أعظم الأسباب والمسببات الباعثة للراحة النَّفسيَّة والثقة والطمأنينة والهدوء والسكينة؛ كيف لا وهو شفاء لما في الصدور فلا يمل قارئه ولا يسأم مجوَّده ولا يشك متدبره، يزيد المتقين هدى ويزيل الأكدار والهموم والأحزان من القلوب ومهما قلت فيه وما قال غيري فلن نوفيه حقَّه كاملاً من الوصف كما قال الشاعر الحكيم :- أنت في الأيَّام نور وبصر شاهد أنت على كل البشر قوله ما فيه نطق عن هوى صادق ما ضل يوماً أو غوى يعجز اللِّسان والقلم عن التعبير عنه، فإن المحاضرات أو الندوات أو اللقاِّءات العلميَّة الَّتي تعقد بين الفينة تلو الفينة في بيوت الله لما لها من فوائد عظيمة وكبيرة حيث إنَّها تنير العقول والقلوب وتحارب الأفكار والمذاهب الهدَّامة إلى جانب ربط الدِّين بالحياة وتثري المستمع بمفردات لغويَّة جميلة فتعلُّمها بل إتقانها - أمر في غاية الأهمِّيَّة، لتذوق جمال الأسلوب القرآنيِّ والإحساس بما في القرآن الكريم من بلاغة وإعجاز ومعرفة أحكامه وأداء عباراته وبما فيه من علوم عظيمة وبما فيه من دعوة إلى التفكير السليم وبما فيه من روح (( متألقة )) لا توجد في سواه، وبما فيه من بناء للشخصية الإسلامية القوية، وبما فيه من تقويم للألسنة ومن ثروة لغويَّة لا تعد لها ثروة. فقد عشنا ما يقارب الخمسة ليالي مضت بدأت من يوم السبت 6-8-1434ه حتى نهاية يوم الأربعاء 10-8-1434 ه مع دروس متعدِّدة من كتاب الله الكريم تفسيراً وعلوم مع فضيلة الشيخ صالح بن عواد المغامسي إمام وخطيب جامع قباء بالمدينة المنوَّرة وفقه الله بجامع الدكتور / ناصر بن عقيل الطيار - بمركز عَرِقة بمنطقة الرياض، وقد احتشد جمع غفير من المواطنين الكرَّام من كل حدب وصوب لمتابعة هذه الدروس العلميَّة القيِّمة طيلة الأسبوع فقد أفادنا فضيلة الشيخ حفظه الله ورعاه بما حباه الله من علم غزير مدرك لأحكام الشريعة الإسلامية عالم بسيرة الرسول صلَّى الله عليه وسلم والصحابة وإتباعهم ومسيرة العلماء الإجلاء عالم بالتفسير يتصف بقدرة عالية على الفهم والإدراك وقدرته على استنباط أحكام كتاب الله من حيث المنطوق والمفهوم والمحذوف والمستتر طبقاً لقواعد اللُّغة العربيَّة وأصول الفقه عالم بأصول اللُّغة العربيَّة التي تجعله قادر على فهم ما جاء في كتاب الله وسنه نبيه يمتاز بأسلوب عصري مناسب لم يكل يوماً ولا يمل من أي عمل إسلامي فقد كان حقاً داعية لديه القدرة على تغطية المراحل الزمنية باستمرار بحيث يستطيع إقناع المسلمين بالحجَّة والأدلة الدامغة لم يدخر علماً على تلاميذه ولا على عامَّة النَّاس حمل مشعل الدعوة وتنقل من مكان إلى مكان في كافَّة أنحاء بلادنا المترامية الأطراف خدمة لهذا الدِّين العظيم. كما قال تعالى في محكم كتابة الكريم {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} وما أصدق قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما معناه : (( اقرءوا القرآن فإن لكم بكل حرف حسنة لا أقول : ((ألم)) حرف، ولكن ألف حرف، لام حرف ميم حرف)) وقال تعالى في محكم كتابه الكريم {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} لقد وضح كتاب الله الكريم أن خير ما يجب أن يتزود به المرء هو التقوى، وذلك لما لها من فضل وأثر عليه في حياته وبعد مماته، فالتقوى هي محور الخلاق الإسلامية وتتمثل التقوى في قيام المرء بأداء ما أمر به والانتهاء عمَّا نهى عنه ولقد عرف الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه التقوى بقوله ((التقوى هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والاستعداد ليوم الرحيل)) وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: ((لكل سفر زاد لا محالة، فتزودوا لسفركم من الدنيا إلى الآخرة بالتقوى)) فيجب علينا أن نتغذى من مصادرنا بأقصى قدراتنا وإن مصدر الدِّين الإسلامي ومنبعه هو كتاب الله الكريم والسنة النبوية المطهرة فهو فائض من صدرهما وقد أحرزت الأمة الإسلامية موقعاً تغبط عليه وصارت قدوة للأمم مادامت متمسكة بهذا النظام الإلهي. وفق الله فضيلة الشيخ ((صالح)) على جهوده المباركة وعلى عطائه الجزيل وعلى حرصه لكن لدعم الأمة على التزود من الزاد الإلهي العظيم حتى يبعث فيهم الحياة والحركة حتى يبنون شخصياتهم القوية الصامدة. فإن نظرته فاحصة إلى واقعنا اليوم توحى بأن بعداً مقصوداً أو غير مقصود عن هضم كتاب الله الكريم وعن تدبره تدبراً صادقاً.. وعن وعيه وعياً ينقله من خير القول إلى خير العمل ومن جانب النظرية إلى جانب التطبيق. وفي الختام:- أسأل الله أن يبارك في عمله وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه إنه سميع مجيب.