الدبلوماسية الناعمة مصطلح عام يستخدمه الدبلوماسيون كثيراً، ويعتبر جزءًا مهماً من أدوات السياسي الناجح في الحصول على ميزات استراتيجية إضافية أو في حل التحدِّيات بطرق غير تصادمية ويمكن تقبلها من مختلف الأطراف. والمفهوم يتجاوز مجرد العمل الدبلوماسي في المفاوضات الدولية إلى كونه أحد فنون العلاقات العامة الهادفة إلى استخدام التقنيات والأساليب الذكية غير المباشرة في بناء الصور الذهنية عن هذا القائد أو ذاك، عن هذا المجتمع أو ذاك، عن هذه الدولة أو تلك. ولأجل هذا المفهوم نجد أن فن العلاقات العامة يتجاوز مجرد المظاهر المعتادة في أعمال العلاقات العامة إلى ما تقدمه من رسائل معلنة وغير معلنة. تقليدياً؛ يعتمد بناء الصورة الذهنية عن الشخص/ القائد على المواهب الثقافية والاجتماعية والتواصلية النابعة منه وعلى الكاريزما التي يتميز بها، لكنه في ظل التعقيد الاجتماعي والسياسي والثقافي والتقني، لم يعد الأمر كذلك. بل أصبحت هناك صناعة كبيرة وفرق محترفة تقف خلف رسم الصورة الذهنية للمجتمع، للحكومة، للمسؤول، للقائد، إلخ. ويتضح ذلك جلياً على مستوى الدول فنجد دول بذاتها تعمل على رسم صورة ذهنية تخصها وتروّجها بكافة طرق العلاقات العامة بما تشمله من استخدام وسائل الإعلام وغيرها من المهارات. للوضوح نجد دولة مجاورة تعلن عن مشروع بعشرة مليارات تحتفل به وسائل الإعلام بما فيها وسائل الإعلام السعودية والكتاب السعوديون، بينما مشروع بأضعاف ذلك المبلغ في بلادنا يتم تغطيته على استحياء في إعلامنا وبطرق مليئة بالتشكيك والحذر. أحياناً كثيرة يصدق الناس بأن لا شيء يستحق الإشادة ببلادنا بينما في تلك المدينة الصغيرة يحتفى بكل شيء ونروجه على أنه النموذج المثالي. إذا أنا أتحدث عن بلادنا وأشير إلى أن لدينا أزمة علاقات عامة، أزمة في رسم صورة ذهنية تليق بوطننا وتقنع المواطنين وغيرهم بأننا لدينا مثل غيرنا مشروع تنموي ضخم ولدينا أعمال جبارة تستحق الإشادة والاحتفاء والتفاخر بها. لدينا مثل ما لدى الآخرين من سلبيات لكننا تجاوزنا نقد الإصلاح والتطوير إلى تغليب النظرة السلبية المتشائمة من كل شيء، من الحاضر والمستقبل. دولة صغيرة مجاورة أصبح بعض الإعلاميين السعوديين وكأنهم موظفو علاقات عامة لديها، بينما نحن نعاني حتى مع الإعلام الفضائي الذي نموله في نقل صور إيجابية عنّا. تحوّلت القنوات السعودية التمويل إلى مصدر ترويج لكل شاردة وواردة سلبية في مجتمعنا. احتفالاتنا سواء الموسمية أو تلك التي تحتفي بالمنجزات تبدو باهتة غير جاذبة مكررة فيها الصور التقليدية النمطية. ويؤسفني الإشارة إلى أن ذلك يحدث على كافة المستويات بما فيها تلك التي ترعاها القيادات العليا في الدولة، وكأنه لا يوجد لدينا فكر جديد في العلاقات والتنظيم ورسم الصور الذهنية والكارزمية لقيادات البلد ومناسباته العامة. لدينا جيل جديد من أصحاب السمو والوزراء والقادة في مختلف القطاعات، إلا أن حضورهم الإعلامي وفي العلاقات العامة الثقافية والاجتماعية والسياسية محلياً وخارجياً غير ملموس بسبب هذا الصمت المطبق الذي يحيطون به أنفسهم وهذه الطقوس البروتوكولية النمطية وغير التفاعلية مع من حولهم ومع مجتمعهم. أوضح هنا بأنني لا أتحدث عن كفاءتهم وأعمالهم المهنية، لكن موضوعنا عن الحضور الإعلامي والثقافي والاجتماعي المرن والذي يعكس صورة القائد الذكي، اللَّماح، الديناميكي، اللبق، والحاضر وفق متطلبات العصر ومقتضياته. نحن لسنا سيئين، لكننا نعيش أزمة علاقات عامة تضعف أدواتنا في مجال الدبلوماسية الناعمة المطلوبة على كافة المستويات المحلية والخارجية، الإقليمية والدولية. [email protected] لمتابعة الكاتب على تويتر @alkhazimm