أُعلن في مصر عن القبض على رأس جماعة الإخوان المرشد (محمد بديع)؛ وكل المؤشرات الماثلة للعيان تقول إن الأوضاع في مصر تتجه إلى الاستقرار؛ ربما يكون هناك عمليات إرهابية هنا أو هناك، ولكن من تاريخنا مع الإرهاب، فهو قد يُزعج، وقد يُثير شعوراً بالخوف والرعب بين الناس، إلا أنه لا يُسقط الأنظمة، بل قد يزيد من التفاف الشعوب عليها، وتقويتها من حيث لا يشعر الإرهابيون. لم يكن فوز الإخوان في مصر لأنهم يطرحون بديلاً اقتصادياً أو سياسياً مقنعاً للحكم الذي كان قائماً، وإنما لأن (فساد) نظام مبارك السياسي والمالي جعلهم يهربون من (العسكر) إلى المتأسلمين، عسى أن يجدوا في أولئك الأمانة والصدق، والأهم (التنمية)، التي لم يجدوها عند العسكر، فكانت الطامة أن من أعطوهم زمام السلطة ليقودوهم كانوا أعجز من أن يُديروا دولة، فكادوا بعد سنة واحدة من حكمهم أن يُفجروا النسيج الاجتماعي المصري الذي كان قبلهم في منتهى الانسجام والتماسك، وأن يُلقوا بالمصريين إلى التهلكة حقيقة وليس مجازاً؛ فتنبّه الإنسان المصري إلى حقيقة أن (المظهر المتدين)، والوعود الوردية التي كان يسمعها من المتأسلمين، لا تكفي كمؤشر ودلالة على الصلاح ناهيك عن النجاح، وأن الأهم القدرة على إدارة الدول وسياستها، ونتيجة لذلك ثار عليهم جُلّ من انتخبوهم مطالبين بإقصائهم، وبدلاً من أن يعترفوا بالفشل، وينصاعوا إلى مطالبات الثوار، تشبثوا بالسلطة، وضحوا في سبيل بقائهم بما تبقى من (شعبيتهم)، حتى أصبح الإخوان اليوم من أكثر الفئات السياسية (كراهية) بين المصريين؛ ولا سيما بعد (الدماء) التي سفكوها، والتي لا يمكن تبريرها مهما قال وبرر مناصروهم. فشل تجربة الإخوان السياسية أدت حُكماً إلى أن الأمريكيين والغرب عموماً الذين راهنوا عليهم، وضغطوا لتمكينهم من السلطة، أدركوا أن الحصان الذي راهنوا عليه كان أضعف وأوهن من أن يفوز بالسباق، وأن (شعبيته) بين الجماهير الذين كانوا يعولون عليها (لا تكفي) لكي تؤهله للفوز كما كانوا يظنون، وأن فشل الإخوان أدى إلى تضاؤل شعبيتهم حتى الحضيض، فكان لا بد أن يتخلوا عن رهاناتهم مضطرين. الآن الكرة في ملعب العسكر. فإن هم احتفظوا بالسلطة، وأبقوها في أيديهم، تحت أية ذريعة، ولم يفوا بوعدهم ويسلموها إلى رئيس منتخب، أو أن الرئيس المنتخب القادم، سيكون تحت سلطتهم وسيطرتهم، يُديرونه كما يشاؤون، وكما تقتضيه مصالحهم، فإن (الفساد) سيمد عنقه حتماً مرة أخرى، حاملاً معه بذور ثورة شعبية ثانية، وربما ثالثة، وهكذا دواليك. والمشكلة في مصر ليست مشكلة أشخاص، تتوقف على مؤهلات من سيفوز بالرئاسة، ومن يصل إلى البرلمان، وإنما في مأسسة الدولة، ونقلها إلى دولة (القانون)، التي يعمل الأفراد تحت شروطها ولا تعمل بشروطهم، فمتى ما كان (الفرد) فوق القانون، أو استطاع الفرد -الرئيس مثلاً- أن يُسيطر على توجيه مؤسسات الدولة حسب مقتضيات مصالحه أو مصالح الفئة التي ينتمي إليها، فسيتشكل الفساد السياسي والمالي قطعاً، ثم يتراكم مع الوقت، حتى يُصبح أي إصلاح أو تصحيح أو تقويم يعني بالضرورة أن يسقط النظام برمته، فتصبح (المُسكنات) هي علاج ما يعترض النظام من أمراض، لتنتشر وتتفاقم العلل مع الزمن، فيبدأ العد التنازلي للسقوط من جديد. مصر الآن على موعد مع التاريخ، إن استفادت من تجربتها السابقة مع المتأسلمين حيث كانت (الجماعة) فوق الدولة، ومن تجربتها مع نظام مبارك حيث كان (العسكر) فوق الدولة، وتأسست دولة (قانون) حقيقية، فإن الاستقرار سيكون بمثابة الثمرة التي سيقطفها حتماً كل المصريين بجميع فئاتهم، وفي الوقت نفسه ستتهيأ بالضرورة بيئة صالحة للنمو والتطور، وعلاج كل عللها. إلى اللقاء.