في شرقي قارة آسيا توجد نسبة عالية من المسلمين الذين تتجاوز نسبتهم نصف تعداد المسلمين العام. هؤلاء المسلمون جاء إليهم الإسلام في قرون ماضية عن طريق أفراد حملوا لواء الدعوة، سواء كانوا من الدعاة أم من التجار الذين يحملون همّ الدعوة، وتتابع دخول الإسلام في بلدانهم حتى عمهم الخير، وقامت مملكات إسلامية في تلك البلدان، ولا يزال، ولله الحمد. ولقد كانت وسيلة التواصل بين الأمم والشعوب غاية في الصعوبة، بدءاً بوسيلة السفر ومشقتها براً وبحراً، أو باللغات المختلفة بين الشعوب، أو لقلة المسافرين، خلافاً لما هو الحال الآن، فما كان يُقطع بالأشهر مع التعرض للخطر أصبح الآن يقطع بسويعات قليلة، وأصبحت الطائرات ووسائل النقل الأخرى تنقل الناس بأعداد كبيرة. أما اللغة فأصبح هناك لغات مشتركة أو وسيلة للتواصل عبر المترجمين، أو الاستعانة بوسيط كتابي أو إلكتروني. وكان للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها حظ ونصيب وافر في السفر والترحال وحتى الإقامة الدائمة في كثير من البلدان غير الإسلامية، بل زاد على ذلك أن بلداناً إسلامية تجاوز عدد أبنائها في بلد أوروبي ثلاثة ملايين نسمة، وأخرى قاربت المليون، وهناك جاليات إسلامية بالملايين تقيم في العديد من البلدان الأوروبية؛ لتشكل نسبة جيدة قد تؤثر في التركيبة السكانية لهذه البلدان مستقبلاً. والسؤال الذي يفرض نفسه مع هذا الزخم الهائل من المسافرين والمقيمين من المسلمين في البلدان غير الإسلامية: ماذا قدم هؤلاء للإسلام؟ وهل قاموا بما قام به الأوائل من تقديم صورة حسنة عن الإسلام؟ لا ننفي ذلك بالكلية، ولكن نسبة النتائج غير مشجعة، وهناك إفراط وتفريط كبير بين المنسلخين عن الدين والذين ذابوا في المجتمعات غير الإسلامية، وتأثر بذلك الأبناء، وبين حماس وغلوّ من البعض غير منضبط بعلم شرعي متين ومنهج وسطي رصين لعدم اطلاعهم على الفقه الذي يعالج الأحداث اليوم, وعدم اطلاعهم على حياة النبي صلى الله عليه وسلم في المرحلة المكية ثم المرحلة المدنية، وعدم معرفتهم بالتدرج في الدعوة إلى الله والأخذ بالأولويات، فصار التنطع والغلو والتشدد والانفعال من سماتهم؛ ما أدى بهم إلى النأي عن مقاصد الدين، فما استطاعوا أن يميزوا بين المصالح والمفاسد وبين ما ينفع وما يضر؛ ما ألحق بهم وبالإسلام الضرر. وإن مما يؤسف له أن هناك حقائق مؤسفة عن أوضاع المسلمين، ألا وهي أن نسبة السجناء من المسلمين في سجون الدول التي يقيمون فيها عالية جداً قياساً بعددهم، وقياساً بالجاليات الأخرى، علاوة على المشاكل الأخرى كالتعليم والأوضاع الاجتماعية، ثم يزيد الواقع مرارة وألماً الواقع الذي تعيشه الأمة الإسلامية بوجه عام؛ فهي تئن من التفرق والتمزق والتخلف العلمي، وانتشار الأمية الدينية في المجتمعات، مع هجمة شرسة على أمتنا وعلى كتاب الله تعالى، وعلى نبي الإسلام، وعلى العقيدة، وعلى الشريعة والتاريخ الإسلامي من أعداء المسلمين ومن بعض أبناء المسلمين الذين شوهوا جمال الإسلام، وانحرفوا به عن مقاصده من المفرطين في الاتجاهين. إن الجاليات الإسلامية في الخارج وكل من له تواصل مع الخارج بإقامة دائمة أو منقطعة إن لم يكن داعية لهذا الدين فلا أقل من كف أذاه بالإساءة لديننا الإسلامي، وأن يعمل على عدم تشويه صورته الحسنة. وتبليغ الإسلام لا يحتاج إلى دعاة فقط؛ فقد كان السابقون في نشر الإسلام من التجار، ولكنهم بلَّغوا هذا الدين بالحكمة والموعظة الحسنة، والتزموا بأمر رب العالمين {ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَة وَالْمَوْعِظَة الْحَسَنَة وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِي أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِه وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (125) سورة النحل، وكذلك كان من أبرز صفات التجار الذين نقلوا الإسلام الصدق وعدم الكذب والغش، فكل صادق أمين لا بد أن يحترمه الناس ويقدروه، وهذا ما أثنى به كفار قريش على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أمام هرقل، وأشاد هرقل بهذه الصفة، وأجلها، وأثنى عليها؛ فالصدق مع النفس والصدق مع الناس والصدق مع الخالق له أثر طيب في تقبُّل النفوس لكل صادق، ولأن الناس تأخذ وتتعلم من حالك وأخلاقك أكثر من قولك، وربّ قول ترده الأفعال. ومن الحقائق المهمة والجديرة بالاهتمام في إبلاغ الدعوة إلى الله أن تكون الدعوة مبنية على الحقائق الثابتة، وليس على الخرافات، فأهل البدع الذين أحدثوا في دين الله ما أحدثوا لن يتقبل الناس منهم هذه الخرافات، فما جاء من رب العالمين - عز وجل - دين سيد المرسلين لا يحتاج إلى الابتداع من الخلق؛ فكتاب الله الكريم وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - غنيان بالفضائل والترغيب والترهيب، ومما يحتاج إليه المسلم في حياته وفي دعوة غيره الوسطية والاعتدال والمعاملة الطيبة مع الناس. ومن أبرز المشاكل التي تواجه الجاليات المسلمة مشاكل المسلمين أنفسهم في انقساماتهم واختلافاتهم داخلياً وخارجياً، ونقل هذا الشتات والتناحر إلى الخارج. ومع واجب الوحدة والتعاون على البر والتقوى ونبذ الفرقة والتنازع، فإن الأمر أيضاً مع الهجمات على الإسلام يتطلب أن تواجَه بصف متحد متراص وبعمق وفهم. لقد أسهم الآباء في دخول أمم للإسلام، وما زالت مسؤولية الأبناء في حمل رسالة الدعوة، وآمل أن تعنى المؤسسات الدعوية في العالم الإسلامي بموضوع العمل الإسلامي في الخارج، بالمحافظة على رأس المال، وهم أبناء المسلمين في الخارج، وحمايتهم من الذوبان، والحفاظ على الهوية الإسلامية، والعمل على عدم تشويه صورة المسلمين والإسلام في الخارج ونقل الإسلام، تشملهم رحمة الله امتثالاً لقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَة لِّلْعَالَمِينَ} (107) سورة الأنبياء. [email protected]