كلما مرَّ رمضان، وانتهى بكل ما فيه من عبادة وطمأنينة وروحانية، استرجعت وقتنا المهدر - رغماً عنا - أمام شاشات التلفزة خاصة خلال ما يُسمى بالفترة الذهبية، وحاولت أن أستعيد ما بثته هذه القنوات من مسلسلات معظمها تمت طبخته على عجل خلال شهر شعبان، ما عدا القليل القليل منها، كالمسلسلات ذات النفس الروائي مثل مسلسل «بنت اسمها ذات» المأخوذ عن رواية صنع الله إبراهيم «ذات» وكذلك مسلسل «موجه حارة» المأخوذ عن رواية أسامة أنور عكاشة «منخفض الهند الموسمي»، بينما البقية من المسلسلات لا تخرج عن اجتهادات جلسات وناسة بين أصدقاء يصنعون مشاهد مسلسلهم كيفما اتفق! لا أعرف كلما شاهدت مسلسلاً رمضانياً، خاصة المسلسلات المحلية، والتي تدعمها القنوات المحلية، تذكّرت بداياتنا قبل ثلاثين عاماً، حينما كان التلفزيون السعودي يقتني مسلسلات مصرية بشرط اشتراك ممثل سعودي، حتى لو كان فناناً مجهولاً، إلى درجة أنه يُروى عن المنتجين المصريين، أنهم يقتنصون السياح السعوديين في القاهرة، كي يصوّروا معهم مشهداً أو مشهدين، ويضمنوا شراء التلفزيون السعودي لهذا المسلسل، لأنه تم توطينه، أو سعودته، بتوظيف ممثّل سعودي واحد فقط، ويُقال أيضاً إن النسخة الأصلية من المسلسل، والتي يتم بثها في مصر، لا يوجد لهذا الممثل السعودي أي أثر، لأن الدور الصغير الذي يقوم به ليس مؤثِّراً، وبالتالي حذفه من الأصل أكثر جدوى! سؤالي هو: هل ما يحدث الآن من فشل في المسلسلات المحلية، سواء دراما أو كوميديا، هو بسبب هذه البدايات الخاطئة؟ وهل التلفزيون السعودي الذي يقوم سنوياً بتعميد شركات الإنتاج المحلية بعشرات الملايين، على أعمال لا تستحق آلاف الريالات، إنما يكرر الأخطاء القديمة؟ هل ما يُسمى تشجيعاً للأعمال التلفزيونية المحلية، الهابطة المستوى، هو ما يجعل الدراما في انحدار مستمر؟ من الذي يقيّم المسلسلات المقدَّمة إلى التلفزيون، هل هم مختصّون؟ أم موظفون لا علاقة لهم بالفن والإبداع؟ لماذا لم يستطع التلفزيون أن يقدِّم نفسه بقوة، حتى لو اضطر إلى الدخول كشريك مع قنوات تجارية، في سبيل تقديم ما يرضي ذائقة المشاهد؟ صحيح أننا استبشرنا بتخصيص هيئة للإذاعة والتلفزيون، وصحيح أيضاً أنه من المبكر الحكم على عملها ومنجزها، وتأثيرها على التلفزيون، لكن استمرار إدارتها بنفس الآلية السابقة، لن يحقق التقدّم المنشود، فلا يكفى الاعتماد على أسماء النجوم، لأنهم لن يقدِّموا شيئاً مهماً طالما أن النص المأخوذ عنه المسلسل نص ركيك، فعلى هيئة الإذاعة والتلفزيون المقارنة بين المسلسلات المكتوبة، قبل التحدث في الممثلين، والمخرج والإنتاج الفني. هل تقفز هيئة الإذاعة والتلفزيون بالدراما الرمضانية إلى مستوى متميِّز في رمضان القادم؟ هل هي أخذت تركة ثقيلة عن وزارة الثقافة ولن تستطيع التغيير فيها سريعاً؟ كل هذه المبررات والأسباب لا تكفي أبداً، وعلى الهيئة العمل مبكراً منذ الشهر القادم، لضمان الحصول دراما رمضانية متميّزة تحترم عقلية المشاهد وذائقته!