رحم الله الملك المؤسس، فهو أوجد مظلة شاملة، لتوحيد ثقافات مختلفة، وبذلك يمكن أن توصف المملكة، بأنها مثل الولاياتالمتحدة، التي أصبحت بوتقة انصهار (Melting Pot)، تتفاعل مع جيرانها، وتتقارب فيما بينها، ودعوني أوضح أكثر:- -أهل المنطقة الشرقية، ومثلهم منطقة وادي الدواسر، لهم ارتباطهم التاريخي ببقية منطقة الخليج، من عمان، مروراً بالإمارات، وقطر، والبحرين والكويت، ثم العراق (البصرة، والزبير). -المنطقة الشمالية، بعلاقاتها بالعراق، والأردن. -منطقتا الجوف، وتبوك، بعلاقاتها بالأردن، وسوريا. -حائل، وارتباطها التاريخي بطرق الحج، والعمرة البرية، القادمة من إيران، وأفغانستان، والعراق. -منطقة القصيم، والتي كوّن أهلها، من خلال قوافل العقيلات، شرايين تجارية هامة، مع المناطق المحيطة. -نجد، منبع الدعوة الدينية الإصلاحية، والتي تمت نتيجة التحالف بين الإمام محمد بن سعود، والشيخ محمد بن عبد الوهاب. -قبائل البادية، التي تتفاعل مع الحاضرة أحياناً، وتلجأ إلى عقلية الغزو أحياناً أخرى، وهو ما تسبب في ضعضعة الأمن، حتى تم التوحيد، واستتب الأمن. -الحجاز بتنوعه الإثني، بسبب كثرة الجنسيات القادمة للحج، والعمرة، ووجود فترة طويلة من التسامح ببقاء من يرغب البقاء، لأنهم كانوا يمثلون إضافة جيدة إلى نسيج المجتمع، وللتدليل على ذلك سأذكر معلومة، قد لا يعلمها الكثير، وهو أنه لو سألت مصرفيين اليوم، من كان البنك الأول في المملكة، لقيل لك إنه البنك الأهلي (1951م)، ولكن الواقع أنه بسبب حجم حجاج الجالية الأندونيسية الكبيرة، فإن أول بنك أسس في السعودية، كان البنك الهولندي (1928م)، عندما كانت أندونيسيا مستعمرة هولندية!! يضاف إلى ذلك أنه عندما زاد اضطهاد الجالية المسلمة في جمهوريات الاتحاد السوفييتي، في عقد الثلاثينيات من القرن الماضي، أمر الملك عبد العزيز باستضافة الآلاف من المسلمين، وأصبحت كنيتهم المشتركة «البخاريين»، وذات الحال تكرر مع الجالية المسلمة من بورما «البرماويين». -الجنوب السعودي، وكان يسمى في السجل العثماني، بالمخلاف السليماني، وكان يشمل منطقة عسير، وجيزان، ونجران، مع اليمن الشمالي، أما اليمن الجنوبي، والمكون من عدن وما حولها، ومقاطعة حضرموت، فكانت تابعة للتاج البريطاني. -هنا أود التركيز على السعوديين من أصول حضرمية، حيث هاجرت مجاميع من أهالي حضرموت إلى المملكة، وعملوا بكل جد واجتهاد، وخدمهم نظام تعاوني، وتعاضدي بينهم، وهو دعم من يتوسمون فيه الجدية، بتمويله لكي يفتح دكاناً، أو يشارك في عمل ما، وهكذا تأسست أغلب البيوت السعودية من أصول حضرمية، وساعدها في ذلك أن المملكة كانت بحاجة إلى الكثير من المواد الاستهلاكية. وباختصار فجيلهم الأول لم يكن ينام الليل، حتى يوفر احتياجات عملائه، وكان تعاملهم هو الأفضل. -عندما كنت أعمل في القطاع المصرفي، كان عليّ أن أزور كبار العملاء، وحدث أكثر من مرة أن زرت عملاء سعوديين، من أصول حضرمية، لهم تسهيلات كبيرة، وكم أجد شخصياتهم متواضعة جداً، وهذه سمة من لم تغيره الثروة، ولم ينس شظف الحياة التي مر بها. -أخيراً حديث عن الجيل الجديد من أولئك السعوديين، وهو أن الجيل العصامي المؤسس، قد مضى إلى بارئه، وجاء الجيل التالي، وهو في خريف العمر، ولكن ما أذهلني هو أن الجيل التالي، وتعليمهم هو في أفضل الجامعات العالمية، فإنك لا تستطيع أن تعرف من تصرفاتهم أنهم جزء من تلك الإمبراطورية، لأن درجة التواضع، وعدم حب الظهور هي سمة فيهم، أو على الأقل في أغلبهم، ولو قارناهم للحظة بأقرانهم، ممن حصل آباؤهم على ثروة، نتيجة صفقة عقار، أو عمولة صفقة ما؟! فالتالون يتصرفون بعنجهية، وغرور ملحوظ. أنا كسعودي، معجب بمهنية إخواني السعوديين من أصول حضرمية، ورحم الله الملك المؤسس، الموحد. [email protected]