من المؤكد أن شهوة «السلطة»، ومن ثم «التمكين» كانتا هما القشة التي قصمت ظهر التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وأسقطته، ووأدت الحلم الذي نشأ وترعرع على مدى ثمانين عاماً، ولم يكن وصول الإخوان للسلطة ممكناً، لولا ثورة الشباب التي قامت على الرئيس نظام مبارك، والدعم الأمريكي اللامحدود للتنظيم بناء على الرؤية التي قدمها بعض المفكرين، وعلى رأسهم فريد زكريا، والتي كانت ترى أنه من الأفضل للغرب أن يتولى «الإسلام المعتدل» السلطة في العالم العربي، لأن هذا من شأنه أن يخفف حدة الاحتقان الشعبي ضد الغرب، وبالتالي تخف حدة الإرهاب، وهي رؤية مقنعة على المستوى النظري. هذا، ولكن التطبيق العملي لها من خلال دعم تنظيم الإخوان المسلمين أثبت فشلها الذريع، وبالتالي سقوطها. إن الزعم بأن أمريكا لم تكن تعلم خفايا التنظيم جيداً أمر غير دقيق، فقادة التنظيم، وعلى رأسهم خيرت الشاطر دخلوا في مفاوضات مطولة، ومضنية مع أمريكا منذ عام 2006، ولكن يبدو أن قادة التنظيم لم يدركوا أن الشعب المصري الذي ثار على نظام مبارك، لن يستكين حتى يحصل على ما يريد، وبالتالي فقد ارتكبوا أخطاء فادحة تعكس قلة خبرتهم في حقل السياسة الملغوم، وذلك في ظل غياب قياداتهم التاريخية، مثل حسن الهضيبي، وعمر التلمساني، وكانت أولى تلك الأخطاء دخولهم لانتخابات الرئاسة، بعد الثورة مباشرة، لأنه كان واضحاً أن نجاح أي مرشح سيكون صعباً، فالشعب كان في حالة ثورية مستمرة، بعد قمع استمر أكثر من أربعة عقود، وعلينا أن نتذكر أنهم فازوا بفارق ضئيل، وقد صوت لهم، ودعمهم كثير من القوى، بما فيها تلك التي كانت تصنف على أنها من خصومهم، فكيف ضاعت الفرصة؟! كان واضحاً منذ اليوم الأول أن التنظيم كان يعمل على تنفيذ أجنداته الخاصة، والتي كانت ستتيح له البقاء في السلطة لمدة طويلة، كما كان واضحاً أن المرشد، ونائبه كانا هما من يدير البلاد، ولم يكن الرئيس مرسي سوى الواجهة التي تتلقى الضربات يوماً بعد الآخر، ويبدو أن الإعلان الدستوري كان هو بداية النهاية لحكم التنظيم، فقد أعقبه الدخول في صراعات أفقدت التنظيم كل أطراف الدولة العميقة، وهنا نتحدث عن القضاء، والإعلام، والجيش، كما تخلى التنظيم عن كل القوى التي ساهمت في وصوله للسلطة، وخذلها، ولذا لم يكن سقوط التنظيم قبل أيام مفاجئاً لمن كان يتابع تطورات الأحداث بشكل دقيق، ولكن يظل الموقف الأمريكي «المتردد» هو سيد الموقف، فلم يكن أحد يتوقع أن الرئيس أوباما، والذي أمر مبارك بالرحيل، سيقف بكل قوة مع بقاء مرسي، ويؤكد كثير من المتابعين أن أمريكا عقدت الكثير من الصفقات مع التنظيم على مدى عقود مقبلة، وهي الصفقات التي تتعلق بضمان أمن إسرائيل، ومصالح أمريكا بالمنطقة، ويبدو أن إدارة أوباما أدركت الآن أن العالم العربي لم يعد هو حقل التجارب الذي كان مسرحاً واسعاً للقوى الدولية خلال العقود الماضية، فالشعب العربي، ومنذ عام 2011، لم تعد تجذبه الشعارات الزائفة، والوعود الكاذبة. [email protected] تويتر @alfarraj2