لنا اليوم أن ندرك تماماً ما معنى الأطلال وكيف هو الوقوف عليها.. كنا في السابق نقرأ شعر الماضين، رحلوا وبقيت الأماكن. أو بالأحرى أطلالها تذكر بهم مع القصائد التي وصلتنا، واليوم مع الدمار الذي لحق بالمدن والقرى وبالإنسان والطير وبالأخضر واليابس لنا أن نقف على أطلالنا نبكي الحاضر واللحظة ومن ذهبوا تئن الأرض من حرارة أنفاسهم وترتوي بدمائهم، فأي ربيع هذا اشتعلت به الأرض على بكرة أبيها وعم هذا الخراب وهذه الفوضى التي أكثر ما نقلتها أوردة التقنية المسمومة والإشاعات المغرضة والخلافات المذهبية والطائفية التي استشرت بين البشر كما النار في الهشيم. مصر تأهبت لثورة الموت والتحدي، سوريا مازالت غربان الشؤم تنعق على أطلال ما تبقى من تخريب جيش طاغيتها، لبنان الجمال يترنح تحت غدر الطائفية والعطشة للدماء، اليمن براكين ثائرة، ليبيا همجية الإنسان والمكان والعراق وما أدراك ما العراق، وتونس الصامدة ما بين بين، والعدوى التي انتقلت لتركيا والبرازيل والخافي أعظم. المطالبة بالحقوق والدفاع عنها واجب إنساني لكن الحوار والنقاش سيد الموقف، والمخاض لا بد يأتي قبل كل ولادة والليل يسبق الفجر لكن بطريقة لا تقيد الشمس. لمصر التي تتأجج كبركان آيل لإحراق كل شيء.. لمصر التاريخ والحضارة والأهرامات.. مصر الفن والتراث.. مصر طه حسين ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم.. فليستفق فيك المنومون مغناطيسيا ليس نصب عينيهم إلا الانقياد لسموم قد تنتقل من أوردة تفكيرهم إلى شرايين النيل والبحرين المتوسط والأحمر فتفتك بما تبقى بما نعتز به نحن العرب لمن كانت أم الدنيا ومعقل الحضارات. واليوم ونحن نتجاوز ثورة الثلاثين من يونيو وقد مر شبح هذا اليوم وكل ما حمل من خوف التخريب والتدمير والقتل فإني ألوح بكف القلب للشعب المصري الذي أراد للمظاهرات أن تكون سلمية وقد جذبتني تلك الشعارات التي وزعها الجيش والشرطة للشعب وفيها من المحبة وعبارات التهدئة والتذكير بمصر كي تحافظ المظاهرات على سلميتها ويؤكد الشعب نقاء الرسالة التي دفعته للثورة في إطار بعيد عن العنف والسفاهه لتفشل كل المحاولات التي لم يكن نصب عينيها إلا مصالح شخصية وإشعال داحس والغبراء من جديد. طوبى لمصر ولشعبها الذي أراد ترسيخ ما بدأ به ليقول للعالم إني لست شعبا ساذجا ولا منقادا ولا أقبل بالهوان كذلك. طوبى للشعب المصري الذي خرج في مظاهرات سلمية يؤكد إصراره لينال حريته التي كان بدأ النضال من أجلها ويستمر مشواره حتى يحققها واقعا على أرض مصر التي تهفو لها الأفئدة. اللهم امنح مصر ما تاقت روح أهلها له وأبعدها عن مكائد الغادر. [email protected]