الوسطيةُ والاعتدالُ، هما منهجُ السلف الصالح، وسمةٌ من سمات الشريعة الإسلامية بضوابطها الشرعية وقواعدها التي جاءت بها نصوصُ الكتاب والسنّة، وأقرّها أهل العلم الراسخون فيه من أهل الفقه والأصول والقواعد، وهي شريعةُ العدلِ في الأحكام والتصرفات، التي توافق الفطرة السليمة، وتراعي القدرات والإمكانات، وتؤثر في حياة الناس تأثيراً ملموساً باختلاف الأزمنة والأمكنة والوقائع والأحوال، وهي منهجُ الشرعِ الموصلِ لتحقيق مقاصد الشريعة في الدين والدنيا، وتَبرؤُ من الأهواء التي مآلها الغلو والإفراطُ والتساهلُ والتفريطُ، وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بهذا المنهجِ الوسطِ والالتزام به في قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (البقرة 143). ففي هذه الآية الكريمة تبيانٌ بأن الأمّة الوسط هم العدلُ الخيارُ، وما عدا الوسطِ فأطرافٌ داخلةٌ تحت الخطرِ، وقد جعل الله - جلَّ شأنه - هذه الأمّة وسطاً في الأمور كلها، ووهبها من الدّين أكمله ومن الأخلاق أجلُّها، ومن الأعمال أفضلها، ومن العلمِ والحلمِ والعدلِ والإحسانِ ما لم يهبهُ لغيرها، فالوسطيةُ هي الطريقُ الصحيحُ وما سواها هو الباطلُ. وإنّ المتأملَ في تجارب الناس والتاريخ، وما حصل فيه من محنٍ وفتنٍ، وما لحقها من إصلاحٍ، يلحظُ أن هذا الإصلاحَ نتج بسبب الاهتمام بالتزام الوسطية، وإن ما نراه اليومَ من جنوح للعواطفِ والتفكير، وانتقائيةٍ للأقوال وتسخيرها لمفاهيمَ خاطئةٍ، واستعجالِ النتائجِ المطلوبةِ، هو عودةٌ لمحن تلك العصور، واستذكارٌ بنتاج الجهلِ بالشرع، والبعدُ عن توحيد الله جلّ وعلا، ويؤكدُ حاجةَ المجتمع إلى أهمية الأخذِ بالوسطيةِ في الدعوة لحلّ مشكلات الأمّة، بتوجيه الدعوةِ للخير والإصلاح والمناصحة، والتعاونِ على البرّ والتقوى، والتكاتف في ردّ الأزمات، وعلاجها، والتفاعلِ مع الأمور في الطريق الصحيح؛ لكي نقوم بعبادة الله والدعوة إليه وفق ما شرّع به، ونَحظى بالأمن والأمانِ في الأبدان والأوطانِ، وأن من يَحيْدُ عن هذا المنهجِ الربّانيُ فلن يحيا مستقراً ولا آمناً في حياته ومعاشه. والله الحافظُ والقادرُ، وهو السميعُ العليم. وصلّى اللهُ وسلّمَ على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه. - مدير معهد الأئمة والخطباء بالرياض