تمتاز اللغة العربية من بين اللغات العالمية بأنها لسان القرآن الكريم، والحديث الشريف، ولغة هذا التراث العلمي والأدبي المتنوع الممتد في عمق الزمن أكثر من ستة عشر قرناً، لم تضق طوال هذه المدة بتدوينه، ولم تعجز لكثرته، كان لها مواقف انتصار في حضارة العصر العباسي, وفي حضارة الأندلس، وقبل ذلك عبّرت عن ثقافة الصحراء في العصر الجاهلي، وعبرت التخوم مع حركة الفتوح الإسلامية، فكانت اللغة المختارة وغنيت عبر تاريخها بفيض زاخر من المفردات والمصطلحات. ومما ينبغي أن يشار إليه أن المادة اللغوية التي تضمنتها النصوص الأدبية المأثورة، ودونتها المعجمات والقواميس، وما ألحق بها من استدراكات وذيول وشروح لا تشمل جميع مفردات اللغة التي تكلم بها العرب، لسبب يسير، وهو أن ما دُوِّن مما قالته العرب قليلٌ، يقول أبو عمرو بن العلاء (ت 154ه): «ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقَلُّه، ولو لجاءكم وافراً لجاءكم علم وشعر كثير». فمفردات هذا القليل ومصطلحاته هو المدوَّن، فالعرب كانت أمة شفهية قبل التدوين في القرن الثاني الهجري. إن إضاعة اللغة إضاعة للذات والتراث والأصالة، وإن اللغة والأمة توأمان لا يفترقان، والأمة اليقظة الواعية هي التي ترفع من قيمة لغتها، وتشيد بأهميتها، وتعتز باستعمالها. ويجب ألا نتجاهل واقعنا ومقوماته، ففي تاريخنا الطويل وتراثنا الإسلامي الزاخر مقومات عظيمة، وفي لغتنا العريقة المعاني السامية، والألفاظ العذبة، ودقة التعبير. ويجب أن نقتبس من الألفاظ بوعي عميق، وإدراك واسع. ولنكن واثقين من أنفسنا ولغتنا، فإن الثقة بالنفس من أهم الأسس التي تدفع الأمم نحو الرقي. ولنعمل على بلورة لغتنا بحيث تساير الحضارة المعاصرة (التقنية الحديثة) دون أن تذوب شخصيتنا وأصالتنا وكياننا في ذلك، ولا ننسى أن الحضارة الغربية في يوم من الأيام أخذت من العرب الكثير، أخذت شعرهم ونثرهم، وفديوان الحماسة لأبي تمام مثلاً ترحم إلى اللاثينية وطبع في أوروبا عام 1748م، وكذا المعلقات الفنون وغيرها عن طريق الأندلسيين. إن اللغة العربية اليوم تواجه ضعفاً وغياب الإلمام بها وبمفرداتها وترادفاتها وتراكيبها ومعانيها ونحوها وصرفها، وعلينا الحفاظ عليها وضمان نهضتها وسموها وتفوقها كما كانت في عصور ازدهارها، ولقد كانت قديماً لغة عالمية. أمين عام دارة الملك عبدالعزيز السابق