يحرص كثير من المواطنين الكرام وخاصَّة الَّذين يملكون موهبة فذة حب التّراث وعشقه في أغلب أنحاء بلادنا المترامية الأطراف على بذل الجهود الكبيرة في المحافظة على تراث الآباء والأجداد من خلال إقامة متاحف خاصَّة ومعارض عامَّة داخل المحافظات والمراكز والهجر يعرضون فيها العديد من الموروثات الشَّعبيَّة بشتَّى أنواعها من أدوات مختلفة وألبسة متعدِّدة وأجهزة متنوِّعة وغير ذلك. كانت في الأزمنة القديمة تستعمل بطريقة مستمرة فهذه الموروثات الشَّعبيَّة التي تلقى اهتماماً كبيراً من قبل بعض المواطنين أصحاب الموهبة فإنها تعتبر من أبرز صور الوفاء والعرفان لهذا الوطن المعطاء. ولقد وفقني الباري عزَّ وجلَّ بعد أن أتيحت لي الفرصة المناسبة التي كنت من أجلها تواقاً لزيارة معرض أخي الفاضل الأستاذ فهد بن حسن الجبهان. وأعماله اليدوية المتجددة في مزرعة والده يرحمه الله بمحافظة الدِّرعيَّة وبعد استراحة داخل المزرعة أخذني بجولة استطلاعية على ما يحتويه معرضه التَّراثي الدَّائم من مقتنيات تراثيَّة وموروثات شعبيَّة وأعمال يدوية متطورة وفي أثناء تجوالي داخل المعرض دهشت كثيراً بما رأيته بهذا المستوى من التَّنسيق والتَّنظيم والترتيب والأعداد وبهذا الكمُّ الهائل من المقتنيات والموروثات الموضوعة على رفوف متماثلة الأحجام التي تحكي عن طابع وتاريخ هذه البلاد العريقة تاريخيّاً إلى أن وصلنا إلى مصنعه التقليدي الذي يحتوي على أدوات بسيطة وآلات قليلة ويقوم على خامات محلية من مخلفات النخيل 100% في صناعة المقاعد والطاولات المتعدِّدة والنّوافذ والأبواب القديمة والدواليب المختلفة، وكذلك صنع الحبال من الليف إلى جانب تصميم المجالس القديمة من تلك الخامات المحلية ومن خلال مشاهداتي لتلك الأعمال البارعة والقطع الأثرية القيمة تلاشت أمامي التفاصيل والآراء وأدركت تمام الإدراك أن من قام بهذه الأعمال الجميلة وتنفيذها على أرض الواقع بدِّقَّة متناهية فهو فنان يملك عينا فاحصة وعقلا مدركا للجمال وبعد نظر يرى ما لا يراه الآخرون، وإنما يرى ما هو أبعد من ذلك نحو الجمال والتطوير والإبداع والاستفادة من هذه الخامات المحلية المهدرة والموجودة بين يديه إنَّه مهندس ديكور بارع ومطور يحدد نهاية كل قطعة يلتقطها من بقايا مخلفات النّخيل يعيد لها توهجها وحيويتها من حالة قديمة إلى حالة جديدة حتى جعل لها قيمتها ووزنها في عيون الآخرين حيث إنَّه لا يدعي ولا يعطى نفسه أكبر ممَّا يبذله الإبداع والتطوير داخل مصنعه ولا يحني رأسه أمام الصعاب بل أخذ يحطم قسوتها بعناده حتى فتتها أمام عزيمته وإصراره على الانتصار فهو بطل أعماله وأقوى من كل عقبة تحاول أن تعثر خطاه إلا أنَّه يملك طموح الاعتزاز بالماضي والحاضر معاً.. كل ذلك جمعه الإطار الذي يحرك أدوات مصنعه من خلال أعماله وإبداعاته وابتكاراته التراثية فإنه حقق قدراً لا بأس به في تلك الانجازات والأعمال قياساً إلى عمره الزمني وبالتوسع المرتقب سيزداد نشاطه ويكون بمثابة دور للأرشيف الذي يتولى جمع المقتنيات التراثيَّة و الموروثات الشَّعبيَّة لواقع مجتمعنا الكريم. وفي نهاية الجولة الاستطلاعية القصيرة تحدث لي الأستاذ فهد الجبهان قائلاً الهدف من هذا المصنع المحافظة على تراث الآباء والأجداد وتنمية الهواية لدي وحبي الشّديد لهذا التّراث والاستفادة من هذه الخامات المحلية المهدرة ومن خلال هذا اللقاء القصير عبر جريدة الجزيرة الغراء وضح ابرز ما يفكر فيه إيجاد حل لهذه المعوقات التي تقف عثرة أمام طموحاته وتطلعاته المستقبلية في تطوير هذه الأعمال اليدوية علماً أنَّه نفذ العديد والعديد من الأعمال التراثية وأقام معرضاً خارج المحافظة ولاقى تشجيعاً ودعماً معنوياً من قبل الزائرين لهذا المعرض على اختلاف مستوياتهم العلمية والثقافية فكل زائر لهذا المعرض لابُدَّ أن يجد شيئاً يثريه ويمتعه. ويتمنى في نهاية حديثه القصير أن يحقق ما يطمح إليه مستقبلاً حتى يتمكن بعد الله في الاستمرار في العطاء والإنتاج حتى ينافس الخامات المستوردة علماً أن نجاحه مرتهن بتشجيع الزائرين لمعرضه الدائم إلى جانب ظهور أعماله إعلامياً للقارئ الكريم.