أعلنت شركة «ساب» الألمانية العملاقة، المتخصصة في مجال البرمجيات، مؤخراً، أنها تأمل توظيف مئات الأشخاص المصابين بالتوحّد كمبرمجين موهوبين ومختبري منتجات. وكشفت الشركة لقناة «بي بي سي» أنه بحلول العام 2020، ستشمل نسبة 1 في المئة من قواها العاملة، المؤلفة من 65 ألف نسمة، أشخاصاً مصابين بالتوحد. ومع أنه من المتعارف طبياً أن التوحّد خلل، يبدو أن عدداً كبيراً من المتوحدين يملكون حساً معرفياً خاصاً بالتفاصيل الرقمية وبالتركيز على شؤون الحوسبة. وتماماً كما ورد في كتاب جوشوا كندال القادم، بعنوان «مهووسي أميركا» America's Obsessives، يعرّف الكتيّب التشخيصي والإحصائي لأنواع الخلل العقلي التوحد على أنه «اهتمام بالترتيب.. والتحكّم العقلي وبين الأشخاص»، ويورد ذكر ثمانية أعراض، من بينها أربعة على الأقل تُعتَبر ضرورية للتوصل إلى تشخيص. وتشمل التوق إلى الكمال، والاهتمام بالتفاصيل، أو القواعد أو اللوائح، والانكباب المفرط على العمل، والافتقار إلى المرونة في شؤون العقلانية والقيم، والتقاعس حيال توكيل المهام، والعناد. هل يذكّرك أي نوع من أنواع السلوك هذه بك أو بأي من زملائك، أو عملائك أو موظفيك؟ أمّا فحوى نظرية كندال، فهي أن أنواع خلل كهذه غالباً ما تكون ضمنية لدى أصحاب الإنجازات المفرطة، الذين لا يكلّون من العمل، أمثال ستيف جوبز. ولكن النجاح الذي لا يمكن نكرانه في أوساط بعض الأفراد المعوقين أو المصابين بخلل في الشخصية يطرح أسئلة مزعجة. وفي حال كان دواء، أو إجراء طبّي، قادراً على معالجة التوحد بفعالية أكثر، ألا يقوّض أيضاً المهارات المعرفية التي تساعد الأشخاص المتوحدين على نيل وظائف في شركة «ساب» أو غيرها من الشركات العاملة في مجال تكنولوجيا المعلومات؟ أولن يشعر هؤلاء الموظفون بضرورة التمسّك بإعاقتهم خشية خسارة وظائفهم؟ لقد شاءت سخرية القدر أن يسهم علاج التوحد ربما في تقويض الميزة التنافسية للخلل في السوق العالمي. أما المحنة التي لا يمكن تجنبها سلوكياً – وعملياً- في مجال الأعمال، فتتمثّل بما إذا كان من المنطقي «تحسين» أداء الموظفين، ممن قد تكون فعاليتهم مرهونة بإعاقتهم وأمراضهم. ما الذي يعنيه «التطوّر المهني»، في حال كان ينطوي على خطر حقيقي بجعل موظف أقل قيمةً بنظر المؤسسة؟ لا أرى أي حل سعيد لهذه الخلافات. وبالنسبة إلى أصحاب الأداء العالي الموهوبين فعلاً، قد يتبيّن أن تحقيق «توازن» هو من الأساطير التي تؤدّي إلى تدمير الذات. وهي بحاجة إلى الإعاقات لتنجح. هل يعتبر من المشرّف، أو الأخلاقي، أو حتى القانوني تعيين أشخاص، متى عرفنا أن متابعتهم حياة أكثر سلامةً كأشخاص سيقلل من قيمتهم كموظفين؟ لا أعرف. سيكون من المذهل أن نرى كيف تتم ترقية الموظفين الموهوبين الذين وظّفتهم «ساب» داخل مؤسّستهم وخارجها. (مايكل شراج شريك بحث في مركز الأعمال الرقمية التابع لكلية «سلون» في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا، وهو مؤلف «رهان جدّي»).