فيروز الصوت الأشهر، الأنشودة الجميلة في زمن الفن الرديء، المغنية الوحيدة التي لم يهتز جسدها على خشبة المسرح مطلقا، رديفة الحب والعشق والأرض والنهر والغيم والثلج والمطر والطرقات البهية، فيروز كبرت، كبرت فيروز، لم تعد الجديلة تلك الجديلة، ولا العنفوان عنفوانا، صارت امرأة جاوزت السبعين، لكن صوتها ما زال ملفوفاً بغمامة المطر، ورائحة العطر، وهدأة الليل، والعشب والندى، والحلم والفانوس، والرمل والتل والبحر، والقرية الحالمة، والحرش والبستان، لكنها فيروز كلما كبرت، كلما تجددت، مثل الموسيقى البديلة حديثة ومعاصرة وراهنة، ابنة ساعتها، تجريبية لا تخشى خيانة خزائنها المفتوحة دائماً في ملايين الرؤوس، خزائنها من خشب السنديان الحنون والدائم، تتركها مشرّعة، وتفرش من حولها وسائد ارتجال مريح، بألوان وكلام عال ونغم حنون، فيروز شرايين الهوى والضيعة المثالية، والنبعة والطاحون، و «العشب غطى الدارج» و»طير الورور» و»الحلوي راحت مشوار» و»الأمطة عنبية» واللعوب التي ودّعت حبيبها ذات فجر على الباب، غامزة أنهما قضيا ليلة بلا نوم، «أسهار بعد أسهار .. هاو زوار شوي وبيفلّوا وعنّا الحلى كلّو»، فيروز نفسها التي تتمنى أن وحدها «الأوضة المنسيّة تسهر وبيوت الأرض تنام» فيروز تتجرّد حلماً لمن يهواها «قلتلك شي؟ لا لا لا.. زعلتك شي؟ لا لا لا... ليش تا عليّ بتتعالى وبتظل تقلّي لا لا لا، «يا ورد العايق بالطول.. علّق شوكك بتيابي، هلّق لأمي شو بقول؟» فيروز طاقة سحرية تسري في الجسد بلا استئذان، تأخذنا نحو الغيم، ونحو الشمس، ونحو الرابية الخضراء، ونحو التل والغدير والحمام وبساتين الورد وحقول التفاح ودوالي العنب، تطير بنا نحو عوالم أخرى، وفضاءات بعيدة، فيروز تبقى علامة ناصعة على وجه الفن العربي، وأصالة لا تنمحي عبر تقادم الزمن. [email protected] ramadanjready @