رغم أن موازنة المملكة لعام 2013م أقرت استمرار سياسة الضخ الكبير للإنفاق الحكومي بقيمة 820 مليار ريال، ورغم أن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة بلغ (6.8)% في عام 2012م ، وأيضاً رغم استقرار التوقعات حول نمو القطاع غير النفطي عند مستوى نمو 5-7% خلال عام 2013م، إلا أن حالة من الضبابية تحيط حالياً بتوقعات النمو للاقتصاد السعودي ككل خلال عام 2013م .. فالعديد من المنظمات الدولية كصندوق النقد الدولي لا تزال تتوقع أن المملكة ستواجه مخاطر تضخمية بسبب النمو القوي، رغم أنها تتوقع تراجع مستوى النمو في الناتج إلى 4.0% نتيجة توقع الانخفاض في مستوى إمدادات النفط بالمملكة. أيضاً يتوقع تقرير غربي آخر (لمجموعة الإيكونومست البريطانية) بأن يبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي بالمملكة 4% خلال عام 2013م، في ظل التوقعات بتراجع معدل الناتج النفطي. أما على مستوى التقارير الخليجية، فقد توقع تقرير لبنك الكويت الوطني أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بواقع 3.6% بالأسعار الثابتة في عام 2013، وبواقع 3.4% في عام 2014م .. وأن يأتي نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي عند 5% في العامين المقبلين .. كما توقع التقرير استقرار معدل التضخم في أسعار المستهلك عند 5% خلال عامي 2013 و2014م. هذا، ويتوقع تقرير بنك الكويت الوطني أيضاً أن يبدأ فائض الموازنة في التراجع بدءاً من عام 2013م، بحيث يبلغ حوالي 7.0% من الناتج في 2013م، ثم ينحدر إلى 3.0% من الناتج في 2014م، ويتوقع التقرير أن يتحول الفائض إلى عجز بدءاً من عام 2017م. أما على المستوى المحلي، فقد توقع تقرير للبنك الأهلى التجاري بأن يتراجع معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي السعودي من 6.8% في 2012م إلى 3.5% خلال عام 2013، نتيجة التراجع في إنتاج النفط من 10 ملايين برميل يومياً إلى متوسط 9.5 مليون برميل يومياً هذا العام. ولعل التوقعات كافة الآن تشير إلى تراجع معدلات نمو الناتج السعودي بدءاً من 2013م ومروراً بعام 2014م، وتزداد التوقعات سلبية حتى عام 2017م .. وتقوم هذه التوقعات على عنصرين: الأول توقع مزيد من تراجع إنتاج النفط السعودي من سقف معدلاته المرتفعة في 2011م و2012م والتي وصلت إلى 10 ملايين برميل يومياً إلى مستويات 9.5 مليون برميل في 2013م .. بل تشير التوقعات إلى حدوث انخفاضات تدريجية في معدلات الإنتاج ربما تصل بها إلى 9.0 ملايين برميلفي عام 2014م وأقل بعد ذلك. ولكن التوقعات المتدنية لنمو الناتج النفطي لا تنبع فقط من انخفاض سقف الإنتاج اليومي، ولكن من توقعات تراجع مستويات الأسعار العالمية للنفط، إذ تشير نتائج مسح لآراء المحللين أجرته وكالة رويتر إلى أنه ليس من المتوقع أن تعاود أسعار النفط الارتفاع مرة ثانية إلى مستويات 110-115 دولار للبرميل كما حدث في 2011م، وخصوصاً مع التراجعات التي حدثت خلال الشهرين الماضيين (أبريل-مايو)، والتي أدت إلى تراجع أسعار النفط إلى ما يقل عن 100 دولار للبرميل.. وبالتالي، فإن إيرادات النفط من المتوقع أن تنالها تراجعات بسبب نقص الكميات المنتجة، وفي الوقت نفسه نقص السعر العالمي.. وعليه، فإن توقعات نمو الناتج النفطي أمر واقع، ومن ثم تراجع نمو الناتج السعودي ككل سيكون حتمياً.. ولكن كيف سيكون تأثير ذلك على الوضع الاقتصادي العام؟ هل إلى مزيد من الانكماش في ضوء توقع انخفاض مستوى النفقات الحكومية التي تمثل المحرك الرئيس للنشاط، أم يمكن الاستفادة من هذه التراجعات في التخفيف من حدة التضخم المتفاقم نتيجة هذه الزيادة المتتالية في النفقات؟ ومن جانب آخر، تشير التوقعات إلى استمرار توجه الحكومة إلى انفاق مليارات جديدة في قطاعات التعليم والمستشفيات والإسكان، فاليوم هناك إنفاق حكومي هائل على إنشاء وحدات سكنية جديدة، وهذا الإنفاق يتوقع أن يقود الناتج غير النفطي، ويحفظ استقرار نموه عند مستوى لا تقل توقعاته عن 5-7%.. أي أنه حتى رغم توقع النقص في مستوى الإيرادات النفطية، إلا أنه يمكن للحكومة أن تستمر في ضخ نفقات حكومية عالية وتقليص مستوى الفائض المتوقع أو ربما تقبل حدوث عجز في الميزانية والتمسك بسياسة ضخ قدر هائل من النفقات لتمكينها من تنفيذ المشاريع الضخمة التي ارتبطت بها، وخصوصاً في مشاريع الإسكان. في اعتقادي أن التأثير السلبي (تراجع نمو الناتج) هنا يمكن أن يحرز تأثيراً إيجابياً من جانب آخر، وهو تخفيف الضغوط التضخمية، والتي لم يكن بالإمكان السيطرة عليها منذ عام 2008م بسبب تبني الحكومة لسياسة توسعية لمواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية آنذاك .. الآن تراجع أسعار النفط على المستوى العالمي ستحد بالتأكيد من مستويات التضخم العالمي، والذي تستورده المملكة في وارداتها .. بمعنى أن فترة 2013-2017 قد تمثل فترة معاودة السوق المحلي للتوازن (كبت التوسع) بعد فترة مماثلة من النمو الكبير.