عن أي هم من هموم هذه الأمة المتداعية أشكوه؟! وماذا يفيد التعزي في أمة تقطعها السكاكين مزعة مزعة! مالك تعيش أيها الفتى أوهاما بنهضة واتحاد ومنعة ونصرة وقوة ومنافسة في سباق حضارات الأمم ومشاركة في صنع القرار الدولي وأمتك من حولك تغط في هذا السبات العميق؟! أمة ينحر بعضُها بعضَها، يكذب بعضها على بعضها، يسفك عليُها محمدَها، يغتال رافعُ رايتها كذبا رافعَ رايتها صدقا، يخون أولها آخرَها، ويعلن بكا البجاحة والحمق الانتصار باسم الله والثأر لأوليائه ومراقد أحبائه! عن أية أمة تكتب أيها الفتى وقد كفت الأعداء مؤونة التدمير وسفك الدماء واغتيال مكامن القوة فيها بأن تكفل من يتحدث لغتها ويدعي اعتناق ديانتها والانتماء إلى تراثها بمهمات التدمير التي كانت تخطط لها إسرائيل، وتنتظر الفرصة السانحة لاكتساح ما بقي من مراكز قوى في المنطقة ؛ بعد أن قضت ومن وراءها على العراق كقوة وعلى مصر كجبهة ساخنة كبلت بالقيود والعقود والاتفاقات والأنظمة المهادنة، وهاهي تتفرج على الشام يدمره أحد عملائها! عن أي هم، أي دم، أي عين تدمع، وأية حرة شريفة تداس كرامتها ولا معتصم، وأي طفل يصرخ ويئن ويغيب صوته في آفاق الألم والضياع والشتات والبؤس بعد أن شهد ذبح أمه وأبيه وإخوته وكتبت له النجاة؟! ماذا تكتب عن أمة سُفك دم أبنائها أنهارا ودمرت مدن وقرى وهجر مئات الآلاف وامتلأت بهم سجون ومعتقلات؟ ماذا تكتب عن أمة تهان في كل بقعة من الأرض؟! عن في فلسطين أم أفغانستان والشيشان والبوسنة والهرسك والعراق وإيران وسوريا وبورما؟! أتكتب دما أم دموعا؟! كيف يكون وجهك أيها الفتى العربي المسلم وهو يرى عبر الشاشات عالمك يحترق، يشتعل، يدمر؛ إما بيد الأعداء أو بيد عملاء الأعداء وأصفيائهم ومواليهم! ماذا يمكن أن تقول للعالم الحر الآخر الذي لا يرى ما يحدث في عالمك الحزين إلا مادة إخبارية مكررة تثير الاشمئزاز عن عالم عربي وإسلامي متخلف؛ بينما هو غارق إلى أعلى شعرة في رأسه في البناء والإنجاز والاكتشاف والتقدم والمدنية والرفاهية! عالم آخر حر يبني وينجز ونحن نهدم ونقتل! عالم آخر حر يقظ يفكر كيف يضيف ويصعد ويرقى ونحن نبتلى بمن يعيق ويريق ومن سكرته لا يفيق! عالم آخر حر يعالج أوباءه ويئن لكوارثه ويقيم الدنيا ولا يقعدها لمصاب مات خطأ ؛ ونحن يزرع بعض من يدعي الانتماء إلينا في بيئاتنا فيروسات الطائفية النتنة، ويبذر الفرقة والشقاق وسوء الأخلاق وطبائع النفاق، ويبايع جهلا وغباء أو عمى وضلالا أعداءه من لا يتحدثون لغته ولا ينتمون إلى تراثه ولا يتألمون لألمه ولا يفرحون لفرحه، ولا يعتزون أو يفخرون بما يعتز ويفخر به؛ بل هم الشانئون الشامتون الحاقدون المتربصون اللامزون منذ الأزل الأول في تاريخ ولادة هذه الأمة ؛ بدءا بالهرمزان، وليس انتهاء بأبي نواس أو ابن المقفع أو ابن الراوندي أو البرامكة أو أبي سعيد الجنابي أو حمدان قرمط أو باعث شرارة الفتنة الخميني! عم تهريق حبر كيبوردك أيها الفتى الواهم يا ابن أمة من غفلتها لا تكاد تفيق إلا على صيحة إثر صيحة؟! أتكتب عن ضعفاء أبناء الروانجا الفقراء المساكين الذين يشوون أحياء؟! أم تكتب عن آلاف الحرائر من السبايا التي تغتصب في جوامع الشام ومساجده؟! أم تكتب عن مئات الآلاف من المعتقلين الذين يئنون تحت وطأة تعذيب المجوس وأشياعهم من مواليهم في دمشق الأسيرة الكسيرة؟! أين أنت الآن يا أبا الطيب من شامك الذي كنت تعزي فيه حين تلم به رزية واحدة ؛ تعال فقد أصبح الأمة كلها رزايا: رَماني الدّهرُ بالأرزاءِ حتى فُؤادي في غِشاءٍ مِنْ نِبالِ فَصِرْتُ إذا أصابَتْني سِهامٌ تكَسّرَتِ النّصالُ على النّصالِ! [email protected] mALowein@