التغريب كلمة جديدة مطاطة تستعمل حسب الرغبات، ولا حدود واضحة لها ولا قانون. إذا جاء أمر جديد لا يوافق ما تعوّدنا عليه سُمي تغريباً ولو كان موجوداً في العالم كله في الشرق والغرب والشمال والجنوب، فالنساء يعملن في المتاجر في إندونيسيا والصين والهند وباكستان منذ آلاف السنين ومع ذلك يقولون عندنا إن ذلك تغريب. إن كثيراً من التطبيقات الحضارية التي نقلناها من الغرب لا يمكن حصرها ولم يقل أحد من أصحابنا إنها تغريب، فإلغاء الرق جاءنا من الغرب بالذات ولم نرفضه ولم نسمع بأحد قال إنه تغريب. ليبحث الباحثون عن سبب مقنع غير وصمه بالتغريب لأن ذلك ليس سُبّة فأنظمة الدولة وأنظمة الإدارة وأنظمة السلامة وأنظمة المرور كلها تغريبية. العالمية صارت مطلباً لا بد منه لكوكبنا الصغير وليس من العقل أن ندفن رؤوسنا في الرمال. تاريخنا خلال المائة العام الماضية حافل بالاعتراضات لكل جديد ورغم أن الجميع يسخر من الاعتراضات السابقة التي فرضت نفسها الآن وأصبحت أمراً عادياً، رغم معرفة الجميع بخطأ تلك الاعتراضات إلا أن هناك من لا يستوعب الدرس فتراه يزاول مهنة الاعتراض على كل جديد ولأنه لا يستطيع أن يحرِّم ما لم يحرِّمه الله فإنه يلتجئ إلى تلك الكلمة الهلامية ويصف الجديد بأنه ضرب من ضروب التغريب.