على طريقة العبارة الشهيرة « إنه الاقتصاد ياغبي» (It›s the economy, stupid) التي وظفها مهندس الحملة الانتخابية جيمس كارفيل (James Carville) بصفتها شعاراً لحملة كلنتون الانتخابية في عام 1992 ضد الرئيس جورج بوش الأب أود أن أقول: « إنها الإدارة يابني قومي». لو أردتُ أن أختصر مشكلتنا الأزلية أجدها لا تتجاوز قيد أنملة الميدان الإداري الذي لا مراء بأننا فاشلون فيه فشلاً ذريعاً، وهي مكمن دائنا الذي قلص كثيراً وتيرة تحقيق قفزات تنموية متسارعة ذات مردود عال القيمة. ومرد ذلك في ظني إلى خلل في الاختيار والانتقاء لرأس الهرم الوظيفي. يعد الشق الإداري أحد مستحقات الفترة الراهنة المستدعية اتخاذ قيم الإتقان، والالتزام، والانضباط، والأمانة، والعدل عناوين كبرى تُسيّر دفة العمل الإداري، وبخاصة الخدمي منه. والمتأمل في الشأن الإدراي المحلي يلحظ عدم تواجد العنصر البشري الكفوء على رأس الهرم الوظيفي الأمر الذي يقود في نهاية المطاف إلى عدد من المثالب. فعلى المستوى العام نجد أن التأهيل الكافي والكفاءة متى ما استثمرت في العمل على تنصيب قيادي كفؤ تعني بالضرورة ضمان توافر فرص وضع خطط واستراتيجيات، وتوفير بيئة مناسبة للإبداع والتطوير داخل هذه المسؤسسة، أو تلك. وعلى الطرف النقيض يفضي تنصيب قيادي غير كفؤ إلى نتائج وخيمة تتمثل في ارتفاع وتيرة المنفعة الشخصية على حساب المصلحة العامة العليا، وفتح المجال على مصراعيه للمحسوبية، وكذلك هدر للامكانات والمقدرات التي تحت تصرفه. وكذلك يؤدي ذلك إلى قصور في أداء أجهزة الدولة الإدارية، ويقضي على أداء مؤسساتنا، ويضعف أداءها، ويهدر مواردها، ويوسع من دائرة استغلال النفوذ والتي تلقي بظلالها وأثرها السلبي على التنمية الوطنية، ورفاهية الموطن، وتحقيق العدالة بين أفراد المجتمع، والتطوير، والاستثمارات وانخفاض ملحوظ في معدلات النمو؛ لانعدام تواجد العنصر البشري الكفؤ على رأس الهرم الوظيفي. كما أن ذلك يؤدي إلى إلى انخفاض في درجة ثقة الجمهور في مؤسساتهم الحكومية، وتقلل من رغبتهم في العمل علي مناصرتها ودعم سياساتها وتوجهاتها. والأمر لا يتوقف عند هذا الحد وإنما يتجاوزه إلى أمور أكثر دقة. فنقص الكفاءة يتولد عنه عاهات إدراية جمة مرتكزها ومنطلقها فقد الثقة بالنفس وبالآخر، والتي يتولد عنها سمات سلبية تتوالد من ذلك وتكمن في الخوف غير المبرر من النقد الهادف، ومحاولة تغطية العجز عن تقديم المفيد بحشد إعلامي صاخب عالي الضجيج، والارتماء والارتكان في أحضان العلاقات والولاءات، ومحاولة فرض السلطة والهمنية من خلال تعزيز، أو تبني المركزية الإدارية الخانقة، وخلق فرق وتحزبات يسهل من خلالها السيطرة على الوضع العام داخل ادارته، وكذلك تجد عجزهم عن النهوض بأعباء العمل القيادي المناط بهم يقودهم إلى الانهماك في الاهتمام بمستقبلهم ومصالحهم الذاتية في مقابل المصلحة العامة. وبالنظر إلى الطرف الآخر نجد النقيض تماماً، حيث إن القيادة المؤهلة ذات الكفاءة متى ما وليت الأمر تعمل دوماً على خلق منظمومة عمل واحدة منطلقاتها التفاني، والإخلاص، والجودة، والإنتاجية، وتغليب المصلحة العامة على الرغبات والحاجات الشحصية. ومرتكز عملها وخططها العمل على الاستفادة من المعطيات المتوافرة سواء كان ذلك في صورة دارسة مستفيضة لتجارب مماثلة سابقة، أو الاستناد إلى معلومات، واحصاءات، ودراسات مستفضية متعمقة. هذا فضلاً عن الابتعاد عن الارتجالية، والعمل بكل ما أوتي من قوة لتوظيف الموارد المتاحة في إطارها الصحيح، وتوظيف كل الامكانات والقدرات لقطع الطريق أمام كل ما من شأنه إحداث شرخ في العلاقات الشخصية والمهنية بين أفراد الطاقم الإداري الذي يعمل تحت إدارته؛ وذلك ربما من خلال توظيفه استخدامه وتفعيل برامج تقويم الجهد وفق منهج موضوعي عادل، واسناد الفضل لمن قدم عملاً مميزاً، وفي الوقت نفسه محاسبة المقصر، والحيلولة بكل ما أوتي من قوة للوقوف أمام كل ما قد يؤدي إلى انخفاض في الانتاجية وربما عدم الانضباط والتسيب والإهمال. والخروج من مأزقنا الإداري المتمثل في إسناد الأمر إلى غير أهله، أو على الأقل في المنظور القريب التقليل من حدة شيوعه، وممارسته المستفحلة يتطلب إقرار نظام شروط تولي المناصب القيادية داخل مؤسسات الدولة، ووزاراتها، وجامعاتها، وكلياتها، وهيئاتها الإدارية العديدة المتنوعة تفصل فيه هيئة مستقلة بمسمى الوظائف القيادية في الدولة مُشكّلة من مجموعة من الخبراء تقوم بفحص أوراق المرشحين والاختيار ضمن معايير محددة وواضحة ومعلنة. وبذلك نكون قد أوصدنا الباب تجاه ممارسة أسلوب حرية الاختيار دون قيود، أو ضوابط تلزم إعلان المعايير والمقومات التي استند علهيا الاختيار لكي ننجح في اتاحة حق المنافسة لشغل المناصب الكبرى، ولكي نهيئ الأجواء للاحتكام إلى أهل الكفاءة لا أهل الثقة والمعارف. وهذا في نهاية المطاف سيجعل التقارير الدولية ذات العلاقة بالتنمية والتوظيف تصنفنا ضمن الدول التي تتوافر فيها شفافية معايير التوظيف والتعيين والتي هي في نظر تلك المنظمات مؤشر مهم لمردودية الإنتاج داخل المؤسسات العامة نظراً للعلاقة المطردة بين جمود مؤسسات الدولة العامة، وعجزها عن الانخراط في مسلسل التنمية والتحديث، وبين تقديم المناصب العليا لأشخاص كفاءتهم الغالبة والمرجحة درجة قرابتهم من هذا المسؤول أو ذاك. وفي الختام دام عز وطننا شامخاً برجاله الأكفاء. [email protected]