يندر أن يجلب الأب "حصالة" لابنه ليغرس لديه ثقافة الادخار، فطلبات الطفل مجابة وحاجاته الاستهلاكية يجب أن تُشبع، حتى لو قامت الأسرة أحياناً بشراء سلع لا حاجة لها بها، وهنا تبرز الأسئلة: هل يدرك الأبناء قيمة المال الذي يكررون طلبه بإلحاح كبير من الآباء والأمهات؟، وهل يعلمون أنه يأتي بعد معاناة وتعب ومشقة؟ وأنه بالتالي لا يجب أن يُصرف في أي وقت؟، وهل يجب أن يتعلم الطفل كيفية ادخار المال لوقت الحاجة؟، وكيف نعلمه الإنفاق من المال الذي تعطيه له الأسرة بتوازن دون إسراف أو تبذير أو بخل على النفس؟. حدود الضرورة تقول "مرام اليوسف" مدرسة وأم لأربعة أطفال : إن أبناء اليوم لا يقدرون قيمة المال، ولكنني كمربية أجيال لا يقتصر دوري على التدريس فقط، بل يتعداه في كثير من الأحيان إلى التربية وإكساب أبنائي في البيت وطالباتي في المدرسة، الفضائل المختلفة، ومن بينها تقدير أهمية الجهد الذي يبذله الوالدان من أجل الأبناء، وللحصول على المال الذي ينبغي تقديره والمحافظة عليه، مؤكدةً أنه بالنسبة لأولادها فإنها تعطيهم ما يطلبون من المال لكن في حدود الضرورة وعلى قدر الحاجة، كما تحدد مصروفاً شهريا لهم، لكي يتحملوا بأنفسهم مسؤولية التصرف فيه، وكيفية صرفه في أوجه معروفة ومهمة، لافتةً إلى أنهم لا يحصلون على أي مبلغ آخر إلا بعد انتهاء مدة المصروف، وقد أثمرت هذه التجربة ونجحت في أن يتعلم أولادي وطالباتي تحمل المسؤولية، وكيفية تصريف المال، وكيفية توزيع مصروفهم الشهري على احتياجاتهم المختلفة. ديمة العتيبي تعبت كثيراً أما "هدى الراجح" فتبدو معاناتها أكبر حيث تقول: لقد تعبت كثيراً بسبب عدم قدرتي على ضبط الوضع مع أبنائي في مسألة المال، فهم يطلبون كثيراً في كل مرة نذهب فيها إلى السوق، وكأن الأم تجلس على تلٍّ من المال لا ينقص أبداً، متسائلةً: ماذا أفعل معهم؟، فهم لا يريدون أن يدركوا أن والدهم يتعب في جلب المال للأسرة، وحتى هذه اللحظة لا أستطيع أن أمنع عنهم النقود، لأنني أخاف من النتائج التي قد تترتب على ذلك، ولكن ما يطمئنني عليهم أنهم لم ينفقوا يوماً على أشياء تضر بهم . هدايا النجاح ويؤكد الطفل "محمد المقاطي" أن ابنة خالته في مثل سنه نصحته بالتوفير من مصروفه الشهري ومن المبالغ التي أحصل عليها من الأقارب في أيام الأعياد وهدايا النجاح، وفعلا طبقت نصيحتها وقمت بشراء أغلب ما كنت أتمناه سابقاً. لم تأتِ جزافاً في حين أدركت الطفلة "ديمة العتيبي" مبدأ الادخار مبكراً، حيث تعتقد رغم صغر سنها بأن النقود لم تأتِ جزافاً بل بتعب مضنٍ من والدها في عمله، وتقول: أرى أن التوفير هو الدرس الذي استفدته من والدتي قبل ثلاث سنوات، حينما أشارت عليّ بأن أوفر نقودي وأجمعها في حصالة خاصة بي، مع الأخذ منها وفق حاجتي بتقنين وتنظيم، وهكذا استطعت شراء ما أريد وبدون أن أطلب ريالاً واحداً من والدي. دور مؤثر وتوضح "سهام العزام" الوكيلة المساعدة لقسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أن الهدايا من الحوافز المادية والتي لها دور مؤثر في تعزيز السلوك الايجابي لدى الطفل أو تعديل السلوك السلبي لديه، بل وتحفز لتكرار العمل الذي نجح به في المستقبل، مشيرةً إلى أن الطفل في مرحلة الطفولة المبكرة بين (34 ) سنوات، وبمجرد أن يعرف العد يستطيع إدراك دور المال في حياتنا، فهو يبدأ مع الخبرات والمواقف والمشاهدات التي يمر بها يومياً ضمن محيط الأسرة، ومن خلالها يدرك أن المال يحقق له شيئا من السعادة والرضا، مؤكدةً أن فكرة الادخار عند الطفل تتولد من مشاهداته اليومية والكيفية التي يتعاطى بها الوالدان مع المال، ومن استماعه للحديث الذي يدور بين أفراد العائلة عن ضرورة التوفير واقتطاع جزء من الراتب من أجل المستقبل. هناك أولويات وبينت "سهام العزام" أن الوالدين قدوة للطفل يتعلم من خلالهما المحافظة على النقود، ومن الضروري أن يدرب أولياء الأمور أطفالهم على الإنفاق باعتدال وفي نفس الوقت بيان عادات الإسراف السيئة، لافتةً إلى أن فكرة الاقتصاد والتعامل مع المال لا يمكن أن تنضج مع الطفل إلا بالتعايش الحقيقي مع عمليات الشراء، ومرافقة الطفل لأسرته لمراكز التسوق وإشراكه الفعلي في عملية الشراء، مشددةً على أنه من الضروري أن يتم الاتفاق معه على الحاجات التي ستشتريها العائلة له لكي لا يصبح ملحاً يريد الحصول على كل شيء، كذلك يجب تدريب الطفل على ضبط عملية الشراء، وإفهامه بأسلوب بسيط يتناسب مع عمره أن هناك أولويات يجب شراؤها. زكاة وصدقة وعن كيفية استفادة الأطفال من الهدايا المادية المقدمة لهم، أوضحت "سهام العزام" أن هناك عددا من الأفكار منها أن يقوم كل أب وأم بفتح حساب خاص لكل طفل منذ ولادته يضعا فيه كل المبالغ التي جاءت كهدايا للطفل، وكلما كبُر نضع موارده من الهدايا المالية في الأعياد والمناسبات في هذا الحساب، وعندما يصبح الطفل مدركاً نعلمه أن يدخر من هذه المبالغ المادية في هذا الحساب، بل ونعلمه كيفية الزكاة على هذا المال وأهميتها وكذلك الصدقة .