ذهبت في يوم من الأيام إلى أحد البنوك لإيداع مبلغ من المال منتظراً دوري كغيري من العملاء، وأثناء انتظاري تأملت في وجوه المنتظرين مثلي، فإذا الأغلبية منهم من الأجانب من جنسيات مختلفة، ممن يمتهنون أعمالاً شتّى، وفي يد كل واحد منهم مبلغ من المال يقدر بالآلاف، هذه المبالغ التي لم تأت بلا شك إلا بعد تعب ونصب وجهد جبار، كان حصيلته هذا المبلغ لقمة العيش التي جاء لبلادنا من أجلها. وحينها سألت نفسي وتساءلت: لماذا لا يعمل أبناؤنا مثل أعمال هؤلاء فيكسبون مثلهم، بل وأحسن منهم، إذا علمنا أن دولتنا -حفظها الله- تدعم الشباب وتشجع على العمل الجاد والسعودة، بل وتقدم القروض لمن كان جاداً منهم ويريد أن يعمل، وما المعيب في أن يعملوا في مهنة السباكة أو الكهرباء أو النجارة أو الميكانيكا، أو أي عمل من الأعمال الشريفة التي ربحها مضمون، وتسد الرمق، وتغني عن السؤال وقلة ذات اليد؟! نعم لدينا نماذج من هؤلاء ممن عشقوا العمل وحرصوا على الأكل من عرق جبينهم من أصحاب الهمم والطموحات العالية، وكلنا نعرف نماذج منهم، ولكن هم قلة بالنسبة إلى الشباب العاطلين الهاملين، الذين ينتظرون أحداً يطعمهم ويسقيهم ويصرف عليهم ممن اتبعوا الهوى واختاروا المكوث في المنازل أو الذهاب يمنة ويسرة بحثاً عن مكان يضيعون فيه أوقاتهم وهم حيارى ضائعون، ممن أصبحوا عالة على أهلهم وعلى مجتمعهم، وخطرهم على المجتمع واضح، بل هم مصيبة من المصائب التي ابتليت بها الدول، ويا ليتهم يأخذون من الصحابي الجليل: عبدالرحمن بن عوف - رضي الله عنه - درساً في كيفية العمل والبحث عن الرزق، عندما أسلم ورغب في الكسب الحلال، رافضاً دعوة أحد الصحابة له بالمشاركة في ماله وترك إحدى زوجاته له قائلاً: (دلوني على السوق) حتى أصبح من أغنى الصحابة مالاً ويملك ثروة هائلة، جمعها بنفسه حينما سلك الطريق الذي يعينه على الكسب، تاركاً الكسل والتخاذل وراءه ظهرياً، معرضاً عن كسب غيره، رغم إلحاح أحد الصحابة عليه بأخذ نصف ماله، وهذا أنموذج رائع للشاب المسلم الذي يحب العمل والكسب الحلال بهمة ونشاط. وفرص العمل ولله الحمد والمنة لشبابنا كثيرة، فقط تريد من يبحث عنها منهم، وثمة سؤال آخر أوجهه لأبنائنا من الشباب: إلى متى ووطنكم يعتمد على غيركم من الأجانب ويحرم منكم ومن خدماتكم وأنتم لديكم القدرة على خدمته والانتفاع من خيراته بدلاً من أن يأخذها غيركم؟ ولا أقول ذلك حسداً لإخواننا من الجنسيات الأخرى، لا وربي، فهم يستحقون ما كسبوا، ولكن أبناء المملكة أولى بذلك، ولا مانع أن يعمل هؤلاء وهؤلاء، وكم أتمنى من كل قلبي أن أرى أبناء بلادي يتسابقون للعمل والجد والاجتهاد للكسب الحلال الذي يغنيهم عن منة الآخرين، حتى وإن كانوا أقرب الناس، معيدين زمن آبائهم وأجدادهم الذين كانوا يسارعون للعمل والبحث عن الرزق في أي عمل يسند إليهم، ونرى بلادنا تقوم على سواعدهم في كل المجالات، وبإذن الله ستختفي كثير من المظاهر السيئة التي تزعجنا جميعاً ونتمنى زوالها، ومن ذلك: البطالة، وكثرة التجمعات الشبابية، بل حتى الجرائم ستخف إذا انشغل الكثير من الشباب بالعمل وباستغلال الوقت بما يفيد وينفع، ومن جرَّب من الشباب العمل سيجني ثمرات ذلك بإذن الله خيراً كثيراً، وسيصبح كل واحد منهم لديه من المال والمهن الشيء الكثير، وستتبدل أحواله من الشدة إلى الرخاء ومن الفقر إلى الغنى، وسيندم على كل لحظة ضيعها دون فائدة، وبلادنا فيها من الخيرات الشيء العظيم والخير العميم لمن أراد أن يعمل، وهذه دعوة مني لشبابنا عبر هذا المنبر المبارك للنزول إلى السوق واستغلال الوقت بالبحث عن الرزق، كل حسب استطاعته، ليعف نفسه ويغنيها عن الطلب من الغير وذل السؤال ومنة البخلاء، متمنياً لبلادنا ولشبابنا وكل مجتمعنا التوفيق والسداد والرزق الوفير من العليم الخبير، والله من وراء القصد. - الرس