يعقد هذا الأسبوع مؤتمر معرض السياحة والسفر، ولا شكَّ بأن أهميته والزخم الذي يحاول القائمون عليه ضخه فيه لم يأت من فراغ، بل من موضوعه الذي أصبح يمثِّل عنصرًا حيويًّا على المستويات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والأمنيَّة وغيرها من المجالات. لذلك تُعدُّ السياحة في العصر الحديث مؤشرَ نموٍّ واستقرارٍ ورفاهية وليس مُجرَّد مصدر دخل إضافي يحقِّقه القطاع السياحي. البعْض يَرَى أن السياحة منتجٌ نهائيٌّ لعوامل كثيرة وما تفعله هيئة السياحة والآثار يأتي في خانة التحفيز والتنظيم والتنسيق بالدرجة الأساسيَّة، بينما الجوانب التنفيذيَّة التي تقود السياحة تملكها قطاعات أخرى، وبالتالي فمهام الهيئة التنسيقية والتنظيميَّة تتطلب منها تجاوز التحفيز إلى الشفافية بالإشارة إلى القطاعات غير المحفزة وغير المتعاونة، بل والمثبطة أحيانًا لمشروع السياحة في المملكة. السياحة تنقسم إلى جزءين رئيسيين؛ السياحة الداخليَّة والسياحة الخارجيَّة. نكتب اليوم عن السياحة الداخليَّة ويقصد بها تلك المُتَعَلِّقة بسياحة المواطن والمقيم داخل المملكة وخصوصًا أن ما يصرفه السياح السعوديون خارج الحدود يقدر بعشرة بلايين دولار سنويًا، إضافة إلى محدودية إنفاق ثمانية ملايين وافد يعمل بالمملكة على السياحة المحليَّة. وأحد معوقات هذا الجانب هو ضعف الخدمات المُتَعَلِّقة بالسياحة في بعض المناطق وعدم تفهم احتياجات السائح المحلي، التي تدفعه للسفر للخارج ومحاولة استقطابه في الداخل. فعلى سبيل المثال تتغنى بعض المناطق الصَّغيرة بأنّها تملك طبيعة وهدوءًا وتراثًا ثقافيًّا وطبوغرافيًّا مختلفًا، لكن عمليًا لا قيمة لجوٍّ عليلٍ لسائحٍ وأسرته وهو لا يجد مطعمًا يأكل فيه وأسرته ولا يجد نزلاً لائقًا ولا يجد وسيلة نقل ميسرة ولا يجد مناسبات ثقافيَّة مناسبة، الخ. ولا أعتقد أن هيئة السياحة ستكون بمفردها قادرة على خلق مثل ذلك، لأنّها قضية تنمية متوازنة وشاملة. ونحن للأسف التنمية لدينا تحدث بِشَكلٍّ مشوهٍ وغير متوازن. سأذكر مثالاً في المجال السياحي، حتَّى لا يتشعب الموضوع. ما نوعية النزل التي لدينا؟ في الغالب هي شقق مفروشة للعوائل وفنادق كبرى، خمس نجوم وأربع، بالمدن الرئيسة. بالرغم من أن غالبية السكان لدينا هم من فئة متوسطي وصغار العمر والدخل؛ لا يوجد بيوت شبابية ولا يوجد نزل مقبولة التكاليف كالموتيلات والفنادق الصَّغيرة وما يعرف بموتيلات النَّوم والإفطار وغيرها. كما لا يوجد منتجعات متكاملة الخدمات ومقبولة التكاليف تناسب الأسر. بمعنى آخر نفتقد الحلول والنماذج الوسطية والمتنوّعة لأن تفكيرنا منصب على الفخامة كفخامة الفنادق، وهذه ليس لها جدْوَى اقتصاديَّة تشجَّع المستثمر على بنائها في مناطق صغيرة وفي أطراف المدن. مستثمري الشقق المفروشة بالإمكان دعمهم بقروض ميسرة للانتقال إلى مستوى أعلى قليلاً في النوعية والخدمة. أبناء المناطق الصَّغيرة يجب دعمهم بقروض وتسهيلات ذات امتيازات تتجاوز ما هو موجود في المدن الكبرى ليؤسسوا مشروعات سياحيَّة بمناطقهم، أما أن تكون التسهيلات متساوية بين العاصمة وأصغر مدينة فحتمًا سيتجه المستثمر للمكان الأكثر ربحية، العاصمة. هناك أفكار عديدة في هذا الشأن السياحي ربَّما تناقش في جلسات مؤتمر السياحة والسفر، وهناك أمثلة موجودة في دول عديدة بعضها يناسبنا، سنتجاوز التفصيل فيها بالدعوة إلى إيجاد المرونة في الأنظمة وتسهيل الدَّعم لها. نطالب بتشجيع أفضل الأفكار السياحيَّة وأفضل المشروعات السياحيَّة بِشَكلٍّ دوري، وإيجاد مكتب يتولى مساعدة أصحاب الأفكار السياحيَّة في بلورتها وتطويرها والحصول على القروض المناسبة لدعمها. في المقال القادم نواصل الحديث عن السياحة القادمة من الخارج. [email protected] لمتابعة الكاتب على تويتر @alkhazimm