اختار السفراء والدبلوماسيون صحيفة (الجزيرة) للحوار والحديث حول رحلة قاموا بها للربع الخالي حيثرحب الزميل نائب رئيس التحرير الأستاذ فهد العجلان بالدبلوماسيين ورفاقهم، وقال: نرحب بكم جميعا في الجزيرة، نحن سعداء بوجودكم معنا هنا، وبودنا الاستماع إلى تجربة كل فرد منكم في هذه الرحلة المثيرة التي ذهبتم فيها إلى الربع الخالي. فالكثيرون من السعوديين لم يسبق لهم أن خاضوا مثل هذه التجربة، ولذلك أتوقع أن يكون لذكرياتكم في هذه الرحلة صدى كبيرا وتشجيعا للكثيرين على الذهاب إلى هناك. أستاذ محمد الخميس، باعتباركم منظم هذه الرحلة يسعدنا أن نبدأ بك لتحدثنا عن تنظيم هذه الرحلة، والهدف منها، وطبيعة تكوين الفريق الذي ذهب معك إلى هناك. وفيما يلي اللقاء الذي تحدث به أعضاء فريق الرحلة إلى صحراء الربع الخالي، من منسقين ودبلوماسيين. محمد الخميس يقول محمد الخميس: في العام الماضي تعرفت على عدد من الدبلوماسيين الذين رافقوني في رحلة برية إلى متنزه الثمامة استمرت لفترة يومين وليلة، زرنا خلالها مكانا بالمتنزه يسمى الرديفة. كنت في أثناء هذه الرحلة أشرح لهم طبيعة المنطقة التي جاؤوا إليها والنباتات المتنوعة التي تتميز بها، مثل القرقاص والبسباس، فأعجبهم ذلك كثيرا، وأوضحوا لي رغبتهم في الذهاب إلى البر الحقيقي، فوافقتهم على ذلك وقررنا الذهاب إلى الدهناء. ضم فريق الرحلة الذي ذهب إلى هناك السفير الدنماركي والسفير الأسترالي والسفير السويدي ونائب السفير البريطاني، وكلهم أتوا مع عائلاتهم. ذهبنا بالفعل إلى الدهناء، وعسكرنا في مخيم هناك، وانطلقنا منه إلى حومة النقيان، وهناك توغلوا في الصحراء، وشاهدوا فيها الرمال، وأعجبهم المكان، وكان لرد فعلهم ذاك أثر في نفسي لأنهم كانوا من ذوي الخبرة في الخروج إلى الرحلات. وأضاف: في هذه الرحلة تولدت لدى هؤلاء فكرة الذهاب إلى الربع الخالي، وترسخت لديهم هذه القناعة أكثر بقراءتهم لكتاب عن الربع الخالي. وقال: «في بداية الأمر كنت مترددا في تنفيذ هذه الرحلة نسبة للصعوبات الكثيرة التي تكتنف مثل هذه الرحلات، ولكن إصرار هؤلاء الدبلوماسيين على الذهاب إلى هناك، ومبادرتهم لاستخراج التصاريح اللازمة للرحلة، أضفت الجدية على الموضوع، فبدأنا الإعداد الفعلي للرحلة وأتممناها بنجاح بتوفيق الله». كرستيان كنغفيلر (السفير الدنماركي) «أرجو أن تحدثنا سعادة السفير عن ذكرياتك في هذه الرحلة، هل سبق أن ذهبت إلى الصحراء من قبل؟ نعم لي تجارب في ارتياد الصحارى، كما أن لمعظم أعضاء فريق هذه الرحلة تجارب مماثلة. وقد تعرفت على بعض من رافقوني في هذه الرحلة عندما أن التقينا قبل حوالي عام في مخيم بمنطقة الثمامة، على بعد حوالي ساعتين بالسيارة من الرياض. وتوطدت الصلة بيننا في تلك الرحلة، وبدأت فكرة ارتياد الصحراء تراودنا بعد أن شاهدنا الصحراء المترامية الأطراف، ومن ثم بدأنا في التشاور حول تنفيذ رحلة إلى الربع الخالي. وأعتقد أن الإخوة السعوديين الذين طرحنا عليهم الأمر في تلك المناسبة كانوا يودون التعرف على جديتنا واستعدادنا لتحمل صعاب الصحراء، لأنهم اقترحوا الرحلة على مرحلتين: مرحلة أولى في رحلة قصيرة في فترة نهاية الأسبوع، ومرحلة ثانية لفترة تسعة أيام في الصحراء. هذه خلفية بسيطة عن المشاورات الأولية التي أجريناها بهدف تنفيذ هذه الرحلة. «كيف كانت توقعاتكم عن الربع الخالي قبل بدء الرحلة؟ هل كانت الحقائق التي وقفتم عليها في الرحلة مطابقة لتصوراتكم عن الربع الخالي قبلها؟ إن مثل هذه الرحلات لا يمكن البدء فيها إلا بعد استيفاء كافة الاحتياطات، والتفكير بروية حول كافة التفاصيل لكي نتفادى العقبات التي يمكن أن تعترض الرحلة. وقد عقدنا قبل الرحلة ثلاثة اجتماعات تحضيرية حصلنا فيها من الإخوة السعوديين الذين رافقونا في الرحلة على نصائح مهمة حول ما يجب حمله وما لا يجب، والملابس والأحذية المناسبة للرحلة، وغير ذلك من المستلزمات، حتى أصبحنا مستعدين للرحلة من الناحيتين البدنية والذهنية. رودي درمند (نائب السفير البريطاني) يجيب على ذات الأسئلة: قرأت عن الربع الخالي قبل ثلاثين عاما، وتعرفت على تجارب المستكشفين الذين سبقونا، أولئك الذين جابوا الصحراء في ظروف صعبة استخدموا فيها الجمال والسيارات التي لم تكن بالكفاءة التي هي عليها الآن. وقد طفت الصحراء السورية بصحبة زوجتي من قبل، كما طفت الصحراء الأردنية وصحراء وادي الروم، واستمتعت كثيرا بالسكون الذي يلف جو الصحراء، وعشت تجربة التخييم في طفولتي في أسكتلندا، و لذلك كنت متشوقا إلى هذه الرحلة التي توقعت أن تتيح لي مواجهة تحديات أكبر والتخييم في ظروف أصعب. ورغم ذلك كله فإن الظروف الصعبة التي خضناها في هذه الرحلة، وكتل الرمال الهائلة التي رأيناها، وتنوع المناظر التي شهدناها في الربع الخالي، وأجواء السكون التي عايشناها، والدهشة التي ألمت بنا ونحن نواجه التمدد اللانهائي للصحراء، وما بذلناه من جهد في تركيب الخيام وفكها، ودفع السيارات عندما تغطس في الرمال، فاق كل تصوراتنا السابقة. ولأنني كنت أقل أفراد المجموعة خبرة في قيادة السيارة في الرمال كنت أكثرهم تعرضا للغطس في الرمال، ولكننا كنا نجد في العناء الذي نبذله في تخليص السيارة من مثل هذه المآزق لذة كبيرة، ومنحنا كل ذلك شعورا بأهمية التعاون ومساعدة بعضنا البعض. كذلك وجدنا في هذه الرحلة الوقت الكافي لتبادل مشاعرنا تجاه الصحراء، واقتنصنا اللحظات لتصوير الكثير من المناظر التي كنا نمر بها، والاحتفاظ بها في أرشيف الصور الخاص بكل منا، وكلما عدت إلى تلك الصور أكتشف فيها أشياء لم نركز عليها عندما كنا في قلب الصحراء. وباختصار فإن التجربة التي مررنا بها اختلفت تماما عما كنا نفكر فيه عندما بدأنا الرحلة. دان فيلت (السفير السويدي) أود في البدء أن أثني على جانب الإثارة التي تحدث عنه كل من كريستيان ورودي. كانت رحلة الربع الخالي حلما يراودني منذ الصبا، وكنت متشوقا لتنفيذها منذ وصولي إلى أرض المملكة سفيرا لدولتي بها، وذلك لأني حظيت بخوض الكثير من التجارب المماثلة من قبل، حيث ذهبت إلى غابات الأمازون وصعدت جبال الهملايا والتيبت واستكشفت العديد من الصحارى مثل صحراء وادي الروم وصحراء جوبي وغيرهما. ورغم كل ذلك فإن ما رأيناه في الربع الخالي فاق كل ما تخيلناه من قبل، وأجدني بالفعل غير قادر على وصف المشاعر التي فاضت بنا ونحن نواجه الكثبان الرملية التي لا حد لها والمناظر الطبيعية الخلابة التي رأيناها. فقد جئت من دولة تختلف عن المملكة في كل شيء، وخاصة الأجواء الباردة هناك مقابل الأجواء الحارة هنا، ولكنها تلتقي مع المملكة في بعض الأشياء، وأعني بذلك المساحات الشاسعة الخالية من الحياة. ففي بلدي السويد مساحات واسعة من الوديان والجبال والغابات التي يمكن أن يسير فيها الشخص لأيام دون أن يرى أحدا، ما أعطاني شعورا بأني أصبحت في بلدي عندما زرت الربع الخالي. «جمعيكم تحدثتم عن تجاربكم في الصحراء بأسلوب دبلوماسي لأنكم دبلوماسيون بطبعكم، ولكننا في صحيفة الجزيرة نريد أن نعكس للقراء بعض التجارب الخاصة التي مررتم بها، كم من الوقت قضيتم في الصحراء؟ ما الصعوبات التي واجهتموها؟ وغير ذلك من المعلومات التي نريد أن نتعرف عليها منكم باعتباركم قادمين من دول ذات مناخات وخلفيات مختلفة. هيلين (زوجة نائب السفير الهولندي) هولندا دولة تجد فيها كافة مظاهر الحياة في كل خطوة تخطوها، ما يجعلها مختلفة تماما في أجوائها عما لمسناه في الربع الخالي. فالنظام والترتيب يفرضان نفسهما على كل شيء في هولندا، وهذا جعل أهلها يتطبعون بطباع تجعلهم ميالين إلى العزلة. فإذا حدث أن قرع أحد ما باب منزلك في هولندا فسوف تكون متحفزا لتسأله «ماذا تريد؟ لماذا جئت؟»، وأعتقد أن هذا جزء من التعقيدات التي تسببت فيها حقيقة أن هناك 60 مليون شخص يعيشون في رقعة من الأرض ضيقة جدا. لذلك شعرت عندما وطئت قدماي أرض الربع الخالي كأنني اندفعت إلى الفضاء. في هذه الرحلة لم نكن نخشى العقارب والعناكب وغيرها من الآفات التي كنا نسمع بها أو نشاهدها في موقع «يوتيوب»، ولكنا كنا مهمومين بما يمكن أن نتعرض له كمجموعة. فقد جئنا من دول مختلفة، ومشارب متباينة، وفجأة وجدنا أنفسنا في أجواء لا تتوفر فيها حتى الحمامات، ولذلك كان علينا أن نعين بعضنا البعض، وأن يقدر كل منا الاحتياجات الخاصة للآخرين، وأن نحترم تصرفات كل فرد منا، وأن يتيح كل منا للآخرين أن يقضوا حاجاتهم الحياتية العادية دون حرج. رودي درمند (نائب السفير البريطاني) كنا نبيت ليالينا حول السيارات، قريبين من بعضنا البعض، حيث كان بعضنا يبيت على الأرض، بينما حمل بعضنا أسرة خاصة، ومع استمرار الرحلة بدأنا نتأقلم بالتدريج ونتباعد عن بعضنا البعض. كان يومنا يبدأ في وقت مبكر، أي في حوالي الساعة الخامسة صباحا، بإعداد القهوة، ومن ثم يبدأ الإخوة في إعداد وجبة الإفطار، حيث كنا نحمل معنا أنابيب غاز نعد بها الخبز والوجبات الصباحية التي كانت تتكون من الفول والثريد (العصيدة) عادة، وكنا نتنافس أينا أفضل في إعداد الخبز. وبعد تناول الإفطار كنا نلملم أشياءنا وننطلق في الصحراء في حوالي العاشرة صباحا. كنا أحيانا نتوقف لاصطياد الأرانب البرية مستخدمين نوعا من الكلاب يسمى «السلوقي»، متخصص في صيد الأرانب، وحدث بالفعل أن تناولنا وجبة شهية مكونة من لحم وحساء الأرانب. كانت جولاتنا في الصحراء تمتد حتى الواحدة ظهرا، ومن ثم نتوقف لنصب مظلات تقينا من حر الصحراء، متفادين نصب الخيام لشدة الحر، ومن ثم نبدأ في جمع الوقود من فروع الأشجار المتساقطة، دون أن نلجأ إلى تكسير الفروع من أشجار الغضا التي تكثر في الصحراء لأن القانون يمنع ذلك. كنا في الغداء نتناول وجبة خفيفة مكونة من الساندويتشات والفواكه، وفي العشاء نجلس لنتناول وجبة من الكبسة عادة، منوعين أحيانا بتناول «الكاري» الهندي أو «الهاجس» الاسكتلندي، وبعد العشاء كنا نجلس لنتسامر حول النار قليلا، مستمتعين بليالي الرحلة التي كانت مقمرة جدا إلى درجة أننا كنا نرى ظلالنا على الأرض، ومن ثم نخلد للنوم في الهواء الطلق، تحت النجوم مباشرة، في حوالي الثامنة والنصف. وكان بعضنا يحمل كميات كافية من الطعام، كما أن مخزوننا من الوقود كان جيدا، وكان هذا ضروريا لأن قضاء أي وقت في الصحراء، ولو ليوم واحد، يتطلب الإعداد الجيد والاحتياط لكل الاحتمالات، ودونكم ما سمعتموه مؤخرا عن بعض العائلات السعودية والعمانية التي ضلت طريقها في الصحراء حتى أنقدهم حرس الحدود. «من أحاديثكم أحسست بأن أيامكم كانت رتيبة، وأن برنامجكم اليومي لم يتجاوز تناول الوجبات وتبادل الأحاديث والنوم، فهلا حدثتمونا عن شيء من المفاجآت إن وجدت؟ وليم فان روسن (نائب السفير الهولندي) من المعالم التي لفتت انتباهي في الصحراء «الواحات»، التي سمعت وقرأت الكثير عنها في السابق. كان منظر الواحتين اللتين وقفنا عندهما في هذه الرحلة رائعا بالفعل، خاصة وأن إحدى هاتين الواحتين بدت لعمقها كأنها مسبح في قلب الصحراء، فما كان منا إلا أن انقسمنا إلى مجموعتين، النساء في مجموعة والرجال في مجموعة أخرى، ومن ثم أخذ كل منا نصيبه في السباحة في المياه الساخنة لهذه الواحة. فإن تتاح لك رؤية حوض من الماء الصافي في وسط الصحراء بدا لنا أمرا معجزا. بيا (زوجة السفير الدانمركي) كانت الأجواء داخل السيارات التي سافرنا بها مليئا بالصخب والمرح، وخاصة إذا ما صعدنا إلى مكان مرتفع أو انحدرنا من سفح عال، أو إذا حدث أن غاصت إطارات أي من السيارات في الرمال. في هذه الحالات كان النقاش يحتدم، وأصوات النساء والرجال تعلو بالقفشات والتعليقات الساخرة فيما ينبغي أن نفعل أو لا نفعل، مما أضفى جوا من المتعة على الرحلة كلها. نيل هاكنس (السفير الاسترالي) نحن جميعا نعرف أن السعوديين شعب كان يعيش حياة البداوة في الصحراء في السابق، ولكن لأننا نرى السعوديين الآن في منازلهم ومكاتبهم في المدن، وفي الأسواق والأماكن العامة، فإننا نجهل كثيرا كيف كان أسلافهم يعيشون في الماضي. ولذلك فإن أي شخص يخوض تجربة الذهاب إلى الصحراء، ولو لفترة وجيزة، يلم إلماما جيدا بهذا الجانب، كما أنه يتعرف على المهارات التي تتطلبها طبيعة الحياة في الصحراء، مثل قص آثار الحيوانات. فمثل هذه المعلومات جزء من الثقافة السعودية والتراث السعودي، وكان الكثيرون من المثقفين السعوديين، مثل الأستاذ عبد الله بن خميس، يعلمون أبناءهم حب الصحراء ويغرسون فيهم قيم الصحراء، مثل الشجاعة والكرم والنجدة والتعاون وغيرها. دان فيلت السفير السويدي الصورة التي كانت منطبعة في ذهني عن الصحراء هي أنها منطقة شاسعة مغطاة بالكثبان الرملية، ولكن عندما ذهبت إلى الربع الخالي رأيت بعيني رأسي كيف أنها عامرة بالحياة، حيث الحشائش والشجيرات والمسطحات الخضراء والواحات، بالإضافة إلى الحيوانات. هيلين (زوجة نائب السفير الهولندي) طبيعة المغامرة في الصحراء تتلخص في أنك لا تدري ما يمكن أن يحدث لك في أي لحظة، وهذا ما شعرنا به في هذه الرحلة. فعندما اقتلعنا أنفسنا من تعقيدات هذه الحياة المعاصرة، المليئة بأسباب الرفاهية بكافة أنواعها، والذي يحاصرنا فيها الإعلام من كل جانب، لنجد أنفسنا في أجواء هذه الصحراء القاحلة، شعر كل فرد منا بأنه مثل الطفل الذي يريد أن يتعرف على أشياء لم يسبق أن رآها من قبل. رودي كنا محظوظين من حيث الجو، حيث مرت أيام الرحلة التسعة دون أن تعكرها العواصف الرملية أو شدة البرودة. ولكن الأشياء من حولنا كانت تتغير من مكان لآخر، كأن ترى رملا بلون معين في مكان ليفاجئك رمل بلون مختلف في مكان آخر، أو أن ترى الشمس تتغير في شكلها ولونها من وقت لآخر. كنا نهتم بمثل هذه التفاصيل ونصورها، ومن اللقطات الرائعة التي أحتفظ بها منظر «السبخات» المحاطة بالكثبان الرملية الضخمة على الحدود العمانية. تلك «السبخات» ذات الأشكال الرائعة أضفت علي شعورا بأني أقف أمام مرتفعات اسكتلندا أو البحيرات الإيطالية أو على سطح القمر، وذلك لأن الألوان التي رأيتها هناك لم أر مثلها في حياتي من قبل. السفير الأسترالي أود في هذه السانحة أن أتقدم بخالص الشكر والعرفان إلى صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان، لأنه حقق لي بطريقة غير مباشرة حلما كان يراودني منذ 35 عاما. فقد التقينا به في رحلة جماعية نظمتها لنا وزارة الخارجية إلى مدائن صالح، وهناك تحدث معنا مشجعا لنا أن نستكشف مناطق المملكة المختلفة، وذكر لنا بالتحديد الربع الخالي، ما ساعد في غرس هذه الفكرة في أذهاننا. عدي الخميس كانت هذه الرحلة رحلة استثنائية ضمت عددا من الشخصيات المهمة التي يصعب جمعها في مناسبة واحدة، لما يتطلبه ذلك من جهد في تنسيق الاتصال بهم وتوفير الحماية لهم. لقد كان السفراء الذين ضمتهم هذه الرحلة رائعين حقا، إذ لم يبخل أي منهم، رغم مناصبهم الرفيعة، في الإسهام في الأعمال اليومية التي كانت تتطلبها طبيعة مثل هذه الرحلة، مثل إعداد الطعام وتركيب المظلات ودفع السيارات وغيرها من الأعمال التي كانت تتصف بالمشقة أحيانا، ولو أتيحت لي فرصة الذهاب معهم إلى الربع الخالي مرة أخرى لما ترددت في ذلك. محمد الخميس كنت في مرحلة الإعداد للرحلة مترددا في ضم السيدات، نسبة لطبيعة مثل هذه الرحلات التي تشق على الرجال، ناهيك عن السيدات. كنت أخشى من حدوث تذمر أو شكاوى من جانب السيدات، ولكن السيدات اللائي شاركن في هذه الرحلة كن بروح معنوية عالية، وأشعن بين أعضاء الفريق جوا من الدعابة والمرح، ولم ترتسم على وجوههن علامات السأم أو الضجر عندما كنا نسافر لمسافات كبيرة بالسيارة، بل ساهمن في أعمال جمع الوقود وقيادة السيارات ودفعها كلما غاصت في الرمال. فقد سبق أن جمعتني ظروف مثل هذه الرحلات برجال كانوا كثيري الشكوى ومتعجلين للعودة إلى الديار. رودي أستطيع أن أصف هذه الرحلة بثقة بأنها كانت رحلة ارتحنا فيها من هموم هذه الحياة، وأخذنا فيها قسطا كبيرا من الراحة، حيث امتدت فترات نومنا فيها إلى ثماني ساعات يوميا. كنا بعيدين عن تعقيدات الحياة اليومية، ولم يكن هناك ما يعكر صفو الأوقات التي قضيناها، حيث لم يكن استخدام الهاتف الجوال ممكنا، رغم أننا كنا مزودين بوسائل الاتصال اللازمة لطلب الإنقاذ في حالات الطوارئ، ولم نكن نقرأ الصحف أو نتابع أيا من القنوات الإعلامية المعروفة. ورغم كل ذلك فقد كانت هذه التجربة من أروع التجارب التي مررت بها في حياتي. فقد شهدت خلالها، لأول مرة في حياتي، ثماني فترات شروق وثماني فترات غروب للشمس، ومارس بعضنا التمارين الرياضية، مثل المشي والعدو حول الكثبان الرملية، بينما حمل بعضنا معدات التمارين الرياضية معهم في سياراتهم، ومارس بعضنا تمارين اليوجو في الصباح الباكر. وليم بينما كنت مندمجا في أجواء هذه الرحلة أعلن في هولندا عن تنازل الملكة عن العرش وتنصيب ولي العهد ملكا. وكانت هولندا كلها مشغولة بهذا الحدث، وتابعه جميع الهولنديين داخل وخارج هولندا، باستثناء شخصي الضعيف بالطبع، حيث كنت الهولندي الوحيد الذي سمع بهذا الخبر بعد أسبوع من إعلانه. كريستيان اسمحوا لي أن أشيد في هذه السانحة بجهود أشخاص ثلاثة أدوا دورا مهما في إنجاح هذه الرحلة، حيث كان اثنان منهما مكلفين بإعداد الطعام والمشروبات التي كنا في أمس الحاجة إليها، بينما الثالث هو قصاص آثار الأرانب الذي بفضله تناولنا وجبات شهية من الأرانب. السفير الأسترالي بينما كنا في رحلة العودة في الربع الخالي توقفنا في محطة بنزين كتب على أحد جدرانها عبارة «الربع الخالي حطم شبابي». كان هذا التعليق غريبا بالنسبة لنا لأن الربع الخالي لم يحطم شبابنا، بل زودنا بطاقة معنوية عالية ستظل زادا لنا لفترة طويلة. محمد الخميس من اللحظات التي لن أنساها تلك التي اكتست فيها وجوه أعضاء الفريق بشيء من الوجوم في اليوم الأخير للرحلة لشعورهم بأن أيام الرحلة شارفت على الانتهاء. بدا ذلك غريبا بالنسبة لي، لأنني توقعت أن يكون أعضاء فريق الرحلة في عجلة من أمرهم للعودة إلى الحياة التي ألفوها، ولكنهم عوضا عن ذلك بدؤوا يتساءلون عن إمكانية إقامة رحلة أخرى إلى الربع الخالي. لقد أشعرني أعضاء هذه الرحلة بذلك بأننا نمتلك كنوزا يجب أن نحافظ عليها ونعرف الآخرين بها، وبدأت أنظر إلى الربع الخالي من منظور لم يخطر على بالي خلال أكثر من عشرين رحلة نفذتها إلى تلك القطعة الغالية من أرض بلادي. رودي خلال هذه الرحلة احتفلنا بذكرى الشاعر الأسكتلندي روبرت بيرنز بإعداد وجبة شهية من الأكلة الاسكتلندية الشهيرة المعروفة باسم «الهاجس». كانت هذه المناسبة فرصة مواتية بالنسبة لي لألقي قصيدة في وصف «الهاجس» من الشعر الأسكتلندي القديم، والتحدث عن الشعر الأسكتلندي في وجود هذه النخبة المثقفة من الدبلوماسيين، وكان التحلق حول النار أفضل مكان يمكن أن تعقد فيه مثل هذه المناسبة. وكانت الرحلة أيضا فرصة طيبة لنا لتعرف على بعضنا البعض، ولذلك اقترحت برنامجا يتكون من عشر أسئلة يتوجه بها كل عضو من أعضاء فريق الرحلة إلى الأعضاء الآخرين، كأن يسأل أي منا الآخر مثلا: احك لنا عن بعض مشاغباتك خلال مرحلة التعليم المدرسي. وقد أضفى هذا البرنامج جوا من الدعابة والمرح على أعضاء الفريق، بالإضافة إلى المعلومات الكثيرة التي حصلنا كل منا عن الدول التي ينتمي إليها الآخرون.