يُقال «إن الإنجاز يحتاج إلى الهدوء»؛ وأحسب أن الدكتور فهد المبارك؛ محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي؛ ممن يعملون بصمت؛ ويؤثرون الإنجاز على الكلام؛ فمنذ توليه قيادة دفة المؤسسة وهو منصرف لإعادة تنظيمها من الداخل؛ وإعادة سطوتها الرقابية؛ وتحديث أنظمتها بما يحقق لها الكفاءة المعهودة المتوافقة مع المتغيرات الحديثة. في مؤتمره الصحفي كشف الدكتور فهد المبارك عن بعض المحاور المهمة، المرتبطة بالسياسة النقدية؛ الرهن العقاري؛ والقطاع المصرفي؛ أنتقي منها اليوم محورين رئيسين؛ الأول: كشفه عن عزم مؤسسة النقد «تحديث كافة الرسوم المالية المفروضة من قبل البنوك السعودية على عملائها عبر إصدار نظام خاص سيتم نشرة قريبا»؛ وهي خطوة مباركة من شأنها تصحيح أخطاء المصارف التي توسعت في فرض رسوم غير نظامية خاصة في المنتجات ذات العلاقة بالأنشطة التجارية كالاعتمادات المستندية والضمانات؛ حيث تتجاوز المصارف الرسوم المحددة لها من قبل المؤسسة؛ وتفرض رسوما إضافية تزيد نسبتها في بعض الحالات عن 2 في المائة من القيمة الكلية للضمانات والاعتمادات؛ ما أثر سلبا على المنشآت الصغيرة والمتوسطة. وفي الجانب الائتماني تفرض البنوك رسوم مقطوعة، و غير مبررة تصل نسبتها إلى 2 في المائة من مجمل التسهيلات المقدمة للعميل؛ إضافة إلى فوائد التسهيلات بأنواعها. أما في قطاع الأفراد؛ فتشهد المصارف فوضى عارمة في تحديد الرسوم؛ وتنافس لاستقطاع مبالغ مختلفة من حسابات العملاء؛ جُلها غير متوافقة مع أنظمة مؤسسة النقد؛ ومنها رسوم إصدار بطاقات الصرف الآلي؛ طباعة كشوفات الحساب؛ شهادات المديونية؛ شهادات المخالصة؛ إضافة إلى رسوم السداد المبكر للقروض؛ وهي رسوم تعادل قيمتها في بعض الأحيان قيمة قسطين من القرض؛ ما يجعلها تفوق في حجمها كلفة القرض المتبقي لعامين قادمين!. آمل أن تعجل المؤسسة في إصدار النظام الجديد؛ وأن تحرص على إلزام البنوك بتطبيقه؛ وأن تحمي العملاء من جور البنوك. أما المحور الثاني فمرتبط بفوائد القروض؛ التي أكد الدكتور المبارك على أنها « معقولة وغير مبالغ فيها؛ ويتم تحديدها بالاتفاق بين المُقرض والمقترض وتختلف بحسب نسبة المخاطرة»؛ ولي في هذا الجانب ثلاث ملاحظات: الأولى؛ أن هامش الربح المعلن من قبل البنوك يمكن أن يكون معقولا؛ ولولا المنافسة لما بقي على ما هو عليه؛ ورغم ذلك يستغل أحد البنوك الإسلامية سمعته الشرعية لفرض هامش ربح مرتفع مقارنة بسعر السوق السائد، وهو نوع من أنواع الاستغلال المحرم!. الملاحظة الثانية؛ أن سعر الفائدة المعلن لا يتطابق مع سعر الفائدة المحتسب بسبب آلية احتساب الفائدة التي تعتمد مجمل القرض أساسا لاحتساب الفائدة بدلا من الاعتماد على المبلغ المتبقي منه في ذمة العميل، بعد خصم الأقساط المسددة. تلك الآلية المُجحفة في حق المُقترض تتسبب في رفع سعر الفائدة الحقيقي إلى الضعف مقارنة بالسعر المعلن. لذا يجب على المؤسسة إلزام البنوك باحتساب الفائدة على المبالغ المتبقية من القروض؛ بعد إسقاط الأقساط المسددة منها؛ أو الإعلان صراحة عن سعر الفائدة الحقيقي. المطالبة بتغيير آلية احتساب الفائدة على قروض الأفراد ليست شاذة كما يصورها البعض؛ بل عادلة في مجملها؛ وهي مطبقة في قطاع تمويل الشركات الأكثر وعيا في تكلفة الإقراض؛ والأشد قوة ونفوذا مقارنة بالأفراد الذين لا حول لهم ولا قوة. إضافة إلى ذلك؛ فالبنك المركزي الإماراتي؛ ولأسباب مرتبطة بحماية المقترضين؛ أصدر قرارا يلزم فيه البنوك باحتساب الفائدة على المبالغ المتناقصة من القرض بدلا من احتسابها على مجمله منذ العام 2011 ما يؤكد عدالة مطالبة المقترضين محليا؛ بتطبيق الآلية المتناقصة على قروض الأفراد. أما الملاحظة الثالثة فهي مرتبطة بعقود القروض التي يوقعها العملاء؛ وهي عقود تُشبه في مضمونها عقود الإذعان؛ التي تحمي البنوك وتحقق مصالحهم على حساب مصلحة العملاء وحقوقهم المشروعة؛ ومن هنا أقترح أن تُصدر مؤسسة النقد عقدا موحدا لكل منتج من القروض الشخصية المتداولة في القطاع المصرفي، وبما يحفظ حقوق العملاء والبنوك؛ ويحقق العدالة للجميع. ولنا عودة لمناقشة ما تبقى من محاور مهمة؛ بإذن الله. [email protected]