يعد الدُخن من المحاصيل الزراعية التي يهتم أهالي منطقة جازان بزراعته، كواحد من أهم أنواع الحبوب بعد «الذرة الرفيعة» التي اعتمد عليها أبناء المنطقة في توفير غذائهم منذ مئات السنين. وأسهمت عوامل التربة الطينية أو الصفراء والجو المعتدل في منطقة جازان في سهولة زراعة الدخن، وجودته، وغزارة إنتاجه. ومع اعتدال الأجواء وارتفاع معدل هطول الأمطار بمنطقة جازان يبدأ الأهالي بذر حبوب الدخن في عملية تعارف الأهالي على تسميتها ب «النديل» يقوم فيها المزارع بحمل عصى طولية نسبياً مدببة الرأس في إحدى يديه ليحدث بها حفرة صغيرة في الأرض يرمي بها بذرة الدخن باليد الأخرى ثم يساوي الحفرة التي أحدثها بقدمه وهو في طريقه لإحداث حفرة صغيرة مماثلة لبذرة مزيدٍ من بذور الدخن، بما يضمن حماية البذرة من الطيور والحشرات والرياح حتى تنبت. وتستمر عملية «النديل» بشكل فني وهندسي بديع على خط مستقيم من بداية المزارعة وحتى نهايتها وبمسافات متقاربة بين نباتات الدخن تقدر بنحو المتر والمتر النصف تقريباً، بشكل يوجد من خلاله مساحة كبيرة لنمو تلك النباتات، كما يمكن المزارعين من إزالة الحشائش التي قد تنمو بجوارها وكذا عملية حصادها بكل يسر وسهولة. ويتواصل الاهتمام والتعهد من المقبل الأهالي بنبات الدخن منذ ظهور النبتة وحتى موسم حصادها في مدة قد تصل لأكثر من ثلاثة أشهر يبذل خلال المزارع كل ما بوسعه من أعمال تضمن سلامة ووفرة منتجه من الدخن في تنافس شريف وتفاخر بين المزارعين، لما يحققه كل منهم من كميات من الدخن. ونظراَ لتلك الأهمية فإن أهالي المحافظات السهلية الساحلية التي تشتهر بزراعة الدخن يولون نبتة الدخن أقصى درجات العناية من خلال العمل الجماعي رجالاً ونساءً وأطفالاً في الحقول والمزارع التي يمتد البعض منها لمساحات شاسعة. وتتبارى نسوة جازان في إعداد العديد من الوجبات الرئيسية الشعبية التي عرفت بها جازان منتج الدخن، خاصة في وقت الحصاد ومنها صناعة الدخن وإعداده على شكل رغيف يحتسى به مع الحليب واللبن أو إعداد أطباق وجبة «المرسة» بعد إضافة الموز والسمن والعسل. ويدخل الدخن مكون أساس ضمن الوجبات المعروفة بالمنطقة بعد أن تقوم النسوة بعجين الدخن وتخميره وإضافة اللحم والمرق عليه وتقديمه للضيوف وأفراد الأسرة فيما يعرف بوجبة «الحيسية» التي استمدت اسمها من الإناء الذي تقدم فيه. ورغم ما تشهده منطقة جازان ومحافظاتها ومراكزها وقاها من تطور ونمو في شتى المجالات في هذا العهد الزاهر، فإن المزارع في جازان ما يزال على صلة وثيقة وعلاقة حميمة بتراب أرضه يبادلها العطاء جهداً وتعباً لتعطيه من خيراتها التي جاد بها الله تعالى على سلة غداء الوطن «جازان».