لم يكن الفن الآشوري كعادة الفن بالحضارات الأخرى التي تحاكي ثقافة الجمال والإحساس بالرقي، فقد اقتصر على التبعية المؤدلج من قبل الملوك والقادة العسكريين وكهنة المعابد، فأصبح بعد هذه التبعية أشبه بالحرفي الذي ينفذ صنعة لشيء ما، وقد جرد من القيم الفكرية وبقى محصوراً بالمعايير الفنية التي هي أيضاً كانت لا تخلو من التدخل من قبل الساسة والملوك.. ..لنجد المنحوتات الآشورية على مر العصور واختلاف فنانيها يرسمون شكل الإنسان الآشوري بهيئة موحدة وكأنه قالب واحد توارثه الفنانون الآشوريون ليبقى هذا النموذج على شكل واحد. بيد أن الحقيقة هنا هو تدخل الملوك أو غيرهم من ذوي السلطة بالأمور الفنية لتكون إثباتاً حقيقياً على تلك التدخلات. ونجد عكس ذلك حين يتمتع الفنان الآشوري بالحرية الإبداعية برسمه أو نحته أجساد الحيوانات التي لا تعني للملوك شيئاً سوى أنها شكل يُراد منه استكمال الحكاية مثل أحد الجداريات أو المسلات، فنجد الفنان الآشوري قد أتقن بشكل مذهل نحته أجساد الحيوانات التي بينت إبداع الفنان الأشوري الذي يؤمن بالقيم الفنية والحركية والتجسيد في العمل الفني، وهذا ما أثبت بالمنحوتات الجدارية التي تم اكتشافها. علماً أن بعضاً من الباحثين يقولون إن من حق الآشوريين تدوين انتصاراتهم ومنجزاتهم عبر فن النحت أو النقش، وهو حق مكفول لهم. وأنا لا أتفق معهم في هذه النظرية بشكل كلي بيد أنني أوافقهم الرأي أن الملوك الآشوريين أو غيرهم من ذوي السلطة والسطوة بالأمر والنهي والتدخل في كل شيء ولا يقتصر هذا على الفن وحسب. فمفهوم التدوين أو السرد كان موجوداً لدى الآشوريين كالكتابة المسمارية التي ورثوها عن السومريين، والإثبات على ذلك وجود آلاف المخطوطات التي تم اكتشافها عند الآشوريين، وهنا سقط حق التدوين عبر الفن فهم - الآشوريون - شعب متحضر يمتلك ثقافة الكاتبة والسرد وليس مثل تلك الشعوب بالعصور الحجرية التي كانت تحيا بالكهوف، وكانوا يدونون قصصهم وإنجازاتهم عبر الفن بالرسم على صخور الكهوف. ولا أجد هنا مبرراً لأدلجة الفن عند الآشوريين إلا مبرر واحد لا ثاني له وهو استعمال الفن كوسيلة دعائية إعلامية لإرهاب خصومهم من الأقوام المنافسة، فهو الشيء الوحيد الذي يحاكي الصور الذهنية وتبقى راسخة في الذاكرة، ويمكن أن نقارنها بالطرق الدعائية في وقتنا الحاضر سواء كانت متلفزة أو مطبوعة، ولا يخلو الأمر من أنها تكريس للنزعة القتالية لدى القادة والجنود الآشوريين بأنهم ذوو قوة وسطوة. وأما ما نشاهده بالمسلات أو المنحوتات التي تحكي وتعبر عن الصيد فهي أشبة بالموضة عند كل الأمراء والملوك سواء أكانوا من حضارات سابقة أو في وقتنا الحاضر ليتفاخروا بين جلسائهم بهواياتهم التي أصبحت هواية الصيد بروتوكولاً يتصف به الأمراء والملوك لا أكثر..! [email protected] twitter@jalalAltaleb - فنان تشكيلي