تقودنا الحياة أحيانا لخانات صغيرة من المساحات، غير أنها شاسعة بمن فيها.. هنا، في الصحيفة الورقية تقف عثرات كثيرة دون أن تتسع المساحة إلا للكاتب الذي خصصت له.., في ضوء تبويب نظام جريدته، وتنسبقها.. وإخراجها.. حيث تُجعل لقارئه بوابة محددة المدخل إليه, لكن من خلفها حراس.. متى شاؤوا أفسحوا له أن يطل، ومتى غفلوا عنه جُعلت زيارته له منفية..! يستقلب فلا يجد غير نفسه.. مع أن الوافدين خلف الباب كثرٌ.. يدري بهم حين يأتونه من فجاج أخرى.. من خارج هذه المساحة التي يمارس فيها بعضاً من لحظات صوته إليهم.. وجدت حين أصر أبنائي أن يجعلوا لي ركناً مشرعاً من المساحة، يطلون عنها كثيراً.. وأطل معهم منها توالياً في موقع التواصل الاجتماعي» تويتر» تلك المساحات الفورية هاطلة، وغير سرابية على الآخر..! وجدتها بكل من يأتي راضياً قاصداً أن يشارك فحوى الكلمة.. ونبضها المتوهج في صدور الناس.. والوقوف على بواباتها الفسيحة.. على الرغم من أن المكان لا يفسح لعصافير، ولا لطيور الكلام إلا بمئة وأربعين نبضة، لكنه يتسع لك كلك، وهو أوسع باباً يلجه بكل النبضات إليك ذوو الحس.. والوفاء.. تذكرت يوم أن كان القارئ لا يجد ما يغريه ويملأ وقته إلا الصحيفة الورقية التي يترقبها عند صدورها، ويتجه إليها في أي مكتبة وإن كانت على بعد قصي من سكناه.. يأتينا البريد منه كل يوم ليس بعشرات الرسائل بل بأضعافها.. حتى غدى للون المظاريف ورائحة الأحبار وأشكال الخطوط رونقاً مستقراً في كمون الذاكرة.. وشغاف الروح.. قادتني الحياة طيلة عمر التجارب في لقاء الناس لأن أجد أن المساحات بيننا ليست تراباً لأبنية السكنى، وليست ورقا لنزول الفكرة, وليست فضاء لأجنحة الحرف، فقط فقط، وإنما هي صدور بشر تتسع بالحب، والصدق، والتصالح، والقبول, وتلتئم بلحمة الفكر, وغايات الشراكة في نبض يقظ بكل شيء، حين يكون الحرف ملقياً في طريقهم، آتياً إليهم من نبع صدق.. فيأتونه بوفاء أخذ. عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855