ضمن فعاليات مهرجان الربيع بمحافظة قلوة نظم النادي الأدبي بمنطقة الباحة أمسية ثقافية وكانت خير ختام لنشاطات النادي بمهرجان قلوة حيث تفاعل الحضوركثيرا مع المحاضرة وأسلوب المحاضر في الطرح واستخدامه للتقنية في عرض الصور التي ساهمت وبصورة كبيرة في نجاح الأمسية والتي قدمها الباحث الأستاذ ناصر بن محمد الشدوي بحضور محافظ قلوة الأستاذ صالح بن محمد القلطي ومدير عام التربية والتعليم بمنطقة الجوف الأستاذ مطر بن أحمد رزق الله ورئيس النادي الأدبي بمنطقة الباحة الأستاذ حسن بن محمد الزهراني ومديري مكاتب التربية والتعليم بمحافظتي قلوة والحجرة وعدد من المسؤولين والباحثين والمورخين والإعلاميين ورجال الفكر والأدب والتربية والتعليم، وأدار الأمسية عضو النادي الأدبي خالد أحمد الهزاع محاضرة عن جبل شدا في التاريخ «الشدوي» تطرق في محاضرته إلى تاريخ الجبل منذ ولادته - حسب علماء الجيولوجيا - قبل 763 مليون سنة مرورا بكل إشارات التاريخيين الذين ذكروا الجبل وسجلوا كتاباتهم ونقوشهم عليه مثل الثموديين والسبايين حيث تزخر الكثير من كهوف الجبل بالكثير من الرسومات سواء لأناس وهم يمارسون طقوسهم الدينية والاجتماعية، وكذلك رسومات لحيونات مختلفة كالوضيحي والغزلان والوعول والأبقار والنعام والأسود وغيرها من مختلف الحيوانات التي كانت تعيش في جبل شدا وفي المناطق المحيطة تحت أقدامه. تاريخ شدا: كما تطرق الشدوي إلى التاريخيين المتأخرين الذين ذكروا شدا ضمن نطاق العهد القديم إلا انه اثبت بالدلائل أن شدا وبما انه يقع ضمن إقليم جنوب الجزيرة العربية الذي كان مروجاً خضراء وأنهارا كسائر الجزيرة العربية وشهد أمماً وممالك قديمة تعاقبت على العيش فيه يجعله مرشحاً لبلوغ قيمة وأهمية كبيرتين عند تلك الأمم التي عاشت لآلاف السنين في هذا الجزء الجنوبي من الجزيرة العربية مدللا بقول العالم الايطالي «كيتاني» الذي قال: إن جنة عدن كانت في جزيرة العرب في الدورة الجليدية وأن الطبيعة قست عليها، فأبدلتها صحاري ورمالًا، حتى اضطر أصحابها إلى الارتحال عنها إلى أماكن تتوافر فيها ضروريّات الحياة على الأقل فكانت الهجرات إلى العراق وبلاد الشام ومصر والمواطن السامية الأخرى، وكانت هذه الهجرات كما يقول قويّة وعنيفة بين سنة 2500 وسنة 1500 قبل الميلاد، فدخل الهكسوس أرض مصر، وهاجر العبرانيون إلى فلسطين، ثم ولي ذلك عدد من الهجرات.» العلماء الانجليز: وكذلك جيرالد دي غوري وهو من أواخر الرحالة البريطانيين الذين وصفوا جزيرة العرب بالقول: «أن هناك واديان في عسير واليمن والحجاز وخرائب قد تقدم ذات يوم لعلماء التاريخ وللعالم معرفة أكبر بالدول القديمة.. وبالممالك الأقدم لشبه الجزيرة العربية، وقد تفصح بوضوح عن معاني الكتب المبكرة للتوراة وعن معاني التلميحات التاريخية في القران». وقول «سايس» وهو عالم انكليزي في كتابه عن الآشوريين: «إن جميع التقاليد السامية تدل على أن الجزيرة العربية هي موطن الساميين الأول». وكذلك محمد حسين فرح في كتاب تاريخ سبأ وحمير عندما قال: «وقد انتقلت كنعان من اليمن وغرب الجزيرة إلى الشام في عدة موجات منها موجة عام 3500 ق.م وموجة أخرى عام 2500 ق.م فانتشرت كنعان في أرجاء الشام وسميت باسمها (ارض كنعان) وكان منهم (بنو خوي بن كنعان بالقدس وما جاورها وبنو يبوس (أورشليم) بن كنعان بالقدس». شدا في عيون الشعراء: وفي نهاية المحاضرة أطلق الشدوي مسمى جبل «قاف» على جبل شدا مدعما قوله بما وجد من إشارات وتلميحات شعراء محليين مثل المكسر وعبد الباري شاعر بني عمر بالمخواة وبو جعيدي وغيرهم الذين أوردوا في أشعارهم إشارات وذكر قرى وأماكن بالقرب من جبل شدا تدلل على أن المعني بجبل «قاف» في شعرهم هو جبل شدا كقول أبو جعيدي في شعر العرضة الجنوبية: وجبل قاف ذا رينا صيود المهمة والزروف نورت لك سقامه والمنازل عليها زاهرة فذكر سقامة وهي قرية معروفة إلى اليوم تحت قمة جبل شدا وترى منازلها بيضاء زاهرة من قمة الجبل. كما أشار الشدوي إلى ربط شدوان بذكر سقامة حتى عند شاعر الأزد أبو يعلى في القرن الأول الهجري الذي ذكر سقامة بعد ذكره جبل شدوان حيث قال: فجبال السراة فالفرع الوسطى حكين الجنان َ فالحِباء فالشدوان من سقامة فالمرحلة ُ المرجَحِنّة النجلاء وكذلك أحمد المكسر وهو شاعر من منطقة الباحة ذكر جبل قاف في شعره عندما دعا على ثلاثة من خصومه في شعر العرضة أن يأخذهم ربهم إلى جبال الهند والصين ويخفيهم عن جبل قاف الذي في بلادهم جزاء لهم. يقول المكسر: ذول (هؤلاء) الثلاثة أخفهم ياربهم عن جبل قاف وخذ بهم إلى جبال الصين والهند جولة وعن الروايات التي وردت عن جبل قاف وما تطرق إليه المفسرون في تفسيرهم ل»قاف» قال الشدوي: هناك الكثير من العلماء الذين ردوا هذه الأحاديث والقصص المبالغ فيها عن جبل قاف الذي قيل: إنه جبل ضخم يحيط بالأرض وان طوله يصل عنان السماء وان أي زلزال يحدث في الأرض هو بسبب تحريك أحد عروق هذا الجبل التي تمتد إلى جميع أقاصي الأرض. لكنه قال: لكثرة المبالغات في وصف جبل قاف فقد رد الكثير من العلماء هذه الروايات لكن لا يعني عدم إمكانية وجود جبل باسم قاف عناه الله بالقسم لكن ليس بهذه الصفات المبالغ فيها مثله كمثل جبل الطور الذي أقسم به الله. الجديد في الأمسية: ومن الجديد الذي طرح في هذه الأمسية وجود شواهد في جبل شدا الأعلى تدل على أن له عمقا تاريخيا موغلا في القدم وأشار الباحث إلى أن هذه شواهد تحتاج للمزيد من الدراسات على أيدي مختصين سيصلون من خلال دراساتهم إلى اكتشافات جديدة، كما أشار الباحث إلى أن هناك إشارات تدل على أن الإنسان الأول سكن جنوب الجزيرة العربية قبل غيرها من المناطق حيث تناول كثير من الباحثين آثارا تدل على أن جنوب الجزيرة العربية كانت مهد الحضارات القديمة، وقد قدم المحاضر عرضا مرئيا عن شدا والآثار التي يحفل بها المكان وخاصة شدا الأعلى والنقوش التي تدل على الحضارات المتعاقبة التي مرت على جنوب الجزيرة العربية وبعض الكهوف والنقوش في أعالي جبال شدا. مصلى إبراهيم كما تطرق الشدوي إلى الحديث عن مسجد صغير ومصلى في أعلى قمة جبل شدا الأعلى يطلق عليه منذ مئات السنين «مصلى إبراهيم» وقال: إن المسجد وحسب قياسات «قوقل» تتجه قبلته إلى القدس وان الطريق إليه وعر جدا يستغرق مشيا على الأقدام قرابة 4 ساعات وسط أحراش وصخور ضخمة ومسالك صعبة جدا. واختتم أمسيته ببعض التاريخ من تاريخ المنطقة الجنوبية وبعض الآراء التي أشار إلى أنها من غير المسلمات ولكنها تحتاج إلى إمكان النظر والبحث والتقصي للوصول إلى حقيقة ما يروى عن تاريخ المنطقة الجنوبية عموما وتاريخ شدا خصوصا. المداخلات: ثم بدأت المداخلات بمداخلة الزميل الأستاذ جمعان الكرت تساءل فيها عن سبب تسمية جبل شدا وهل هذه التسمية من الشدو أو من الشدة وشدد على دور جامعة الباحة في تتبع تراث المنطقة وتدوينه والعناية به. ثم جاءت المداخلة من الأستاذ محمد مشعل الشدوي شكر فيها المحاضر وشكر النادي على هذه الأمسية وتمنى التركيز على ديموغرافية جبال شدا وتمنى من محافظ قلوة الحرص على آثار هذه المنطقة وحاجتها إلى وقفة صادقة من قبل المسؤولين حيث ذكر أن هناك 200 أثر اختفى من تراث جبل شدا. ثم داخل الأستاذ سعيد جمعان الشدوي مدير مكتب التربية والتعليم بالحجرة تناول عناية هيئة الآثار والسياحة بجبل شدا منذ أن تم اعتماده كمحمية طبيعية وتساءل عن وجود مسميات مكررة بين القبائل اليمنية وقبائل جنوب الجزيرة العربية والتي أشار المحاضر إلى أنهاربما تكون بسبب الهجرات المتعاقبة لتلك القبائل من اليمن إلى الشمال وربما أنهم انتقلوا بمسميات الأماكن التي كانوا يسكنونها. ثم داخل الأستاذ سعد الكاموخ وهو المتخصص في المجال الجغرافي وتمنى لو ركز المحاضر على نشأة جبل شدا جغرافيا وأشار إلى أن شدا ليس في معزل عن الأحداث التي مرت بمنطقة تهامة بحكم قربه من المخواة وقلوة وتمنى لو أفرد المحاضر بحثا خاصا عما ذكره المؤرخون العرب عن جبل شدا وناشد هيئة السياحة المحافظة على آثار المنطقة وتراثها الذي يتعرض للإزالة والتدمير. وأخيرا كانت مداخلة الزميل الأستاذ عبدالرحمن أبو رياح تمنى لو استطاع النادي نقل المحاضرة إلى أحد الكهوف في جبل شدا لنكون ملامسين للواقع وتمنى أن يكون هناك تعاون بين الأستاذ ناصر الشدوي والدكتور أحمد قشاش في تتبع تراث المنطقة وتوثيقه والحفاظ عليه. وبعد الأمسية تفضل محافظ قلوة الأستاذ صالح القلطي بتكريم المحاضر ومدير الأمسية على استضافته لنشاطات النادي كما تم تكريم الزميل الأستاذ علي العويفي وذلك لتغطيته المتميزة لفعاليات النادي خلال مهرجان الربيع.