من الجديد في الطب البيطري والبشري ظهور مرض (جنون البقر) وأنماطه البشرية التي تنتقل إلى الإنسان نتيجة انحرافه أيضاً. هذا المرض ظهر بسبب جنون البشر، وذلك بتغذية المواشي بالبروتين الحيواني المصنع من فضلات وأشلاء الحيوانات الميتة (لحومها وعظامها ودمائها) بدلاً من تغذيتها وتربيتها كما خلقها الله وحسب فطرتها على النبات وفي المراعي على الأعشاب، وجعل تكوينها التشريحي والعضوي ليكون غذاءها نباتي المنشأ وليس حيوانياً؛ لأنها من المجترات. وجنون البقر مرض مُعدٍ، أول ما اكتشفت حالاته في بلدان كالمملكة المتحدة وأوروبا والبرتغال وإسبانيا أواخر القرن العشرين الميلادي، ومن خلال الوقوف على طبيعة سلوك البقر وجدّها الثور بطبيعة الحال، عندما تُترك حرّة طليقة، كيف ترى هيئتها وهي تمشي مسرعة، عندما تساق للمرعى أو لحظيرتها أو لأي غرض كان؟ نراها وجدّها الثور تمشي بطريقة (خلف خلاف) مختلة التوازن، تتخبط يمنة ويسرة، تبطش بمن أمامها أو تصيبه على الأقل، لا تسير في خطى ثابتة ومتزنة. وليس من هدف هذا المقال الحديث عن مرض جنون البقر؛ فليس هذا مجاله، بقدر ما هو ربط بعض أعراضه مجازياً بسلوكيات بعض البشر هنا وهناك الظاهرة للعيان. ولمّا كان من أعراض مرض جنون البقر عند البشر المصابين به (فقدان التوازن) أردت محاكاته في هذا الحيز، خاصة أن هذا المرض كان بسبب مخالفة الفطرة التي فطر الله عليها جميع الكائنات الحية. والجنون المجازي يختلف من شخص لآخر، بخلاف معناه الشرعي الذي به تسقط التكاليف عن البشر. ونرى بعض الأشخاص مجانين بالمجاز؛ لقيامهم بأفعال جنونية لا فائدة منها، وصرف أموال طائلة نتيجة قيامهم بهذه الأعمال والأفعال الجنونية. هنا لن نقتصر على نوع واحد من (الجنونيات) البشرية الظاهرة؛ هناك جنون في السياسة، وجنون في الرياضة، وجنون في الثقافة، وجنون في الإعلام، وجنون في الحبّ، وجنون عبثي مختلف، أبطاله بعض الشباب وبعض المترفين، وحتى هناك جنون يظهر بتقمص الدين. وكما يقال (في المثال يتضح المقال) ففي السياسة مثلاً هناك بالتحديد (القذافي) دائماً يُطلق عليه بمجنون ليبيا، من جرّاء تصرفاته السلوكية والكلامية الشاذة، غير المقبولة والموقوفة عليه دون سواه، يحاكيه في هذه الأيام طاغية الشام (بشار) وشبيحته، بتصرفاتهم الحمقى مع شعبهم، وتدميرهم بلادهم، ودفنهم الأحياء في أعمال بشرية جنونية لا تطاق، نالوا هذا الوصف لمّا فقدوا الشعور والإحساس. وفي الرياضة نشاهد تقليعات بعض اللاعبين المقلدين للظواهر السلبية الغريبة على المجتمع، ناهيك عن تصرفات بعض الجماهير الرياضية في المدرجات، وبعد انتهاء المباريات، ولأدنى خطأ غير متعمد تراهم كالثيران الهائجة، تصرفاتهم الشكلية أو الكلامية غير المقبولة لا تخرج عن سياق جنونية البشر. وفي الحبّ نستذكر اللقب الملازم (لقيس بن الملوح) صاحب (ليلي) والمعروف بمجنون ليلى. هو لم يكن في ذاته مجنوناً، وإنما لقب بذلك لهيامه في حبّ ليلى بنت سعد المنتهي لدرجة العشق. ومع الشباب المنفلت تشاهد تقليعات ما أنزل الله بها من سلطان، يكفيك عندما تشاهدهم في منتزهات بعض المدن السياحية لدينا، وهم يقومون بما يتعارفون عليه (من تحجير السيارات) تقول في نفسك «هؤلاء أصحّاء أم مجانين»؟! غير ما يقدمون عليه من أعمال تهورية، كالسرعات الجنونية، أو كالتفحيط المنتهي بالموت أو الشلل، ناهيك عن العبث في ظواهرهم الشكلية والسلوكية، يحاكون في ذلك الغرب المتحرر. ولدينا ثلّة ثليلة من الدخلاء على الإعلام والثقافة، تكشف عن تقليعاتهم من خلال أطروحاتهم في القنوات الفضائية التجارية وكتاباتهم الداعية للتحرر والتفلت بدعوى الحرية واستقوائهم بحقوق الإنسان. وأكثر ما يصيبك بالغثيان والرعشة، ويوتر أعصابك، ما تلمسه في مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة (تويتر)، من كتابات هابطة وساقطة، أبطالها بعض البشر المصابين بمرض جنون البقر، سبّ وتأليب وتحرُّش ونشر غسيل وانتهاك للأعراض.. والقاعدة العريضة لذلك «الفلتان اللساني والقلمي، والهيجان السلوكي»، كهيجان البقر وجدّه الثور. أفكار دخيلة على المجتمع، تدعو إلى انحلاله من قصد أو غيره، تمجدها نظائرها السطحية التي لا تجيد التعبير. وفي المقابل نجد من تسلّق جدار المشيخة والوعظ وتفسير الأحلام من بعض الدجالين الأفاكين المشعوذين الملمّعين أنفسهم وظواهرهم وبعض الرقاة، من طلاب المال والشهرة وأصحاب الفقاعات الصفراء، هؤلاء الذين مدّوا حبائلهم واطادوا بها البسطاء والضعفاء والمساكين، خاصة (النساء). أعمالهم الظاهرة تدلّ على جنونهم السلوكي لبلوغ أهدافهم، على حساب سمعتهم وأفراد أسرهم. وثمّة من ركب الموضة وهام في حبّ ذاته، هو ذاك صاحب الشهادة الوهمية التي سرقها من شقة مفروشة بحفنة دراهم ليقال له (الدكتور الفلاني). وثمّة جنون آخر، أظنه يعصف في مجتمعنا ويخوّفنا من العواقب الوخيمة من جرّاء عدم تقدير النعم، ذلكم ما حلّ بيننا في هذه السنوات الأخيرة، مما يسمى بالمزايين بمختلف أصنافها، وما يصاحبها من إسراف في المال وتبذير في النعم، لدرجة لا تُطاق! كل ما سبق وغيره كثير من التصرفات الحقيرة يتصدى لها فئام من البشر، أجزم بأنهم مصابون بمرض (الجنون البشري) كما مرض (جنون البقر).. ودمتم بخير. [email protected]