تنتشر في كثيرٍ من المجتمعات ظاهرة الانتحار من الجنسين، وتشهد المجتمعات غير الإسلامية زيادة في هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة. ولا شك أن قوة إيمان المسلم وعقيدته حمت المسلم من الوقوع في مثل هذا الجرم العظيم.. وقد عالجَ الشارع الحكيم من خلال القرآن الكريم والسنَّة المطهرة مثل هذا التوجه. «الجزيرة» ناقشت تلك القضية وبحثت عن طرق المعالجة في شتى صورها، وذلك من خلال أهل الرأي وذوي الاختصاص. ظاهرة الانتحار يقول الأستاذ الدكتور حامد بن محمد متولي رئيس قسم الأحياء بكلية العلوم التطبيقية بجامعة أم القرى: إن الله جل في علاه كتب الموت على كل نفس حية وعلى جميع المخلوقات المختلفة قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}، وقال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} سورة الرحمن (26-27)، فالموت هو المآل الطبيعي المحتوم على كل المخلوقات الحية.. تعددت الأسباب والموت واحد، وما الانتحار إلا إحدى صور الموت والذي يقود الإنسان نفسه إليه طواعية معارضاً لشرع الله والفطرة الطبيعية التي تسري على كافة المخلوقات، وهذا أيضاً من قدر الله ولكنه محرم شرعاً، وكما قيل نهرب من قدر الله إلى قدر الله. إن حجة المنتحر واهية وإن كان يهوّلها ويغلّفها بخطاب يتركه خلفه ليشرح سبب انتحاره لمن يرثه ويخلفه فيتركهم في حسرتين الأولى فراقه والأخرى ما ترك من هموم.. وفي ظني أن المنتحر عِوضاً عن ترك رسالة لحل المشكلة بعد الوفاة كان الأولى به أن يبثها للأهل أو لمن يأتمنه من مسؤول أو صاحب معروف لحلها عسى أن يكون في ذلك فرجاً.. وكلي يقين بأن المنتحر يظن بأن حل همومه ومشاكله يكمن في نهايته وموته واختفائه من هذه الحياة بأي طريقة مثل: إلقاء نفسه من علو شاهق أو ربط نفسه في شجرة عالية أو سقف أو مروحة أو مخدرات... إلخ من هذه السلوكيات الخاطئة, وهي وإن سميتها تعريض الإنسان نفسه للتهلكة طواعية تحت تأثير هلوسات شيطانية، وقد وصف سبحانه وتعالى هذا الأمر في آيات عدة مثل قوله تعالى: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}، وفي موضع آخر قال سبحانه: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم}، ويقول المصطفى سيدنا محمد بن عبد الله فيما معناه (والذي نفس محمد بيده لا تموت نفس حتى تستوفي أجلها ورزقها، فلا يستعجلن أحدكم رزقه).. وقد أجمل سبحانه وتعالى ذلك بقوله: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} (38) سورة الرعد. إن المؤمن الحق هو من يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره من الله تعالى وبالبعث بعد الموت. خير وشر ويُوضح د. حامد متولي أن المتبصر في أحوال الدنيا وما يقرأ فيها من أخبار يجد أنها مفعمة بالخير والشر ابتلاء من الله تعالى فمن رزق الخير والحكمة تعامل معها بالروية والصبر واللجوء إلى الله تعالى ثم إلى أهل الخير والصحبة الطيبة، ومن كانت حاله ضعيفة وتعلقه بالله وكتابه ضعيفاً جداً ويحيط به رفاق السوء فهؤلاء هم من يسقطون صرعى سراعاً أمام أوهن مصيبة لأنهم لم يتعودوا مواجهتها منذ صغرهم باللجوء إلى الله تعالى الذي تطمئن القلوب بذكره وتلين الجلود لسماع كلامه. عجبت لمن يقتحم هذه المرحلة بقوة وإرادة ويعلم أنها نهايته ولا يتردد في إنجازها والتخطيط لها بدقة ولا يستطيع أن يقاوم مشاكله المالية والعاطفية والتي لا يخلو الأمل في علاجها وإن طال الزمن وطول العمر وإن كان في ضيق وألم ولكن فرج الله قريب جداً، وهذا هو حسن الظن بالله. ولعل من العجب الذي يُذهل منه العاقل الراجح هو مشاهدتنا لأنواع مختلفة من الانتحار التي لا نلقي لها بالاً أو أننا حتى هذه اللحظة لم نعتبرها خطراً وظاهرة واضحة دالة على أمر نسأل الله تعالى اللطف، ومنها السرعة الجنونية في قيادة المركبات وحمل قائد المركبة طفله وهو يقود السيارة وعدم التقيد بالأنظمة المرورية أو الأمن والسلامة في المطابخ والتعامل مع الكهرباء باستهتار والتدخين والشيشة والمخدرات بأنواعها المختلفة والأدوية المضادة للبرد والتسول عند إشارات المرور واستخدام الأطفال في أعمال غير مناسبة وغير لائقة بهم عمراً وجسداً وبراءة وطبيعة الاضطهاد الأسري وسوء المعاملة بين الأبناء والشدة في غير محلها والخلوات المحرمة وزنا المحرمات والخيابة في العمل والعلم والبطالة بين شباب المجتمع وكثرة ارتياد الأسواق دون حاجة بحجة الملل وعدم وجود متنفس أو منتزهات للشباب وعدم اهتمام الوالدين بالأبناء والعدل بينهم ومسألة الميراث والأوقاف والطلاق والعنف الأسري والإرهاب وتفجير النفس وتفخيخ السيارات والخطف والتشدد والتزمت في الدين.. كلها صور مختلفة للانتحار. كما وأن الانجراف الأجوف خلف العناوين البرّاقة مثل: حقوق المرأة والحرية والمساواة، وإني لأجزم وكلي يقين بأن من ينادي بهذه الدعاوى ويُؤلب المجتمع عليها أعلم بأن ديننا الحنيف كفل كل شيء للرجل والمرأة على حد سواء، بل حتى باقي المخلوقات المرئية وغير المرئية ولكن فهمنا لهذا الدين قاصر جداً، وهو ما يسبب هذه الفجوة والهوة الكبرى بين فئات المجتمع وأطيافه وأجناسه، ومتى ما كان الدين والشرع هو الهدف الذي ننشده جميعاً تحققت النتائج الصحيحة ولكن المشكلة تكمن في الرغبات والهوى وكل طرف يريد ما يشاء وقتما يشاء، بل الأدهى من ذلك أنه يريده كله دون تنازلات مع أن ذلك من الدين مراعاة للمصلحة العامة والخاصة التي ينادي بها ديننا الحنيف. إن المخلوقات جميعها تعلم أن ما أراده الله لها هو الأفضل، ولذا رضيت به رباً فرضي الله عنها, إلا الإنسان فمنهم مؤمن ومنهم كافر، ولهذا نجده يحاول أن يقحم نفسه في كل أمر فطري ومكتسب ولا يقتنع إلا بما يراه عقله الصغير وهواه ويلبي رغباته الدنيويه من مال وجنس قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ}. أسباب الانتحار ويبيِّن د. متولي أسباب الانتحار التي نشاهدها ونسمعها عبر وسائل الإعلام بأنها ناشئة من مشكلات مالية وعاطفية أو اختلافات فكرية عقدية لا تمت للدين بصلة ولا أمر بها الشارع الحكيم سبحانه وهي محصورة في شقين لا ثالث لهما وإن تعددت المسميات وتشعبت لأن الذي فنّدها هو رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم (المال والنساء).. إني أُحذر كل إنسان مسؤول وولي أمر وكل راع أن يراقب الله فيما استرعاه وأن يخلص العمل والقول في النصيحة والمتابعة والمراقبة في بذل المال وحل الإشكالات الصغيرة قبل الكبيرة والنزول إلى مستوى الصغير قبل الكبير والاستماع إليهم ومخالطتهم ومحاورتهم وتخصيص وقت للدروس الشرعية والعلمية والمعرفية وإحياء الأوقات بالقرآن والذكر والاستغفار وإقامة صلوات الرواتب والسنن في البيت وألا يجعلوها مهجورة وأن يراعوا الخدم والعمال ومن هم تحت مسؤوليتهم وأن يعاملوهم بما يُرضي الله تعالى وأن لا يكلفوهم ما لا يطيقون.. إن الهمّ والدين وسوء المعاملة والفراغ ورفقة السوء والمخدرات وزنا المحارم والإرهاب وعقوق الوالدين والبعد عن الله يجعل للشيطان طريقاً سهلاً لأي إنسان دون مقاومة.. فتوفير الأسس الرئيسة لكل إنسان هي الحل الأمثل للقضاء على هذه الظاهرة السيئة والتي اعتبرها عرضاً من العلامات المؤشرة على بداية الخطر في مجتمع مسلم مسالم، وهي بذل العلم وكثرة الدروس الدينية على مختلف المذاهب وتعليم الناس رأي الشرع ورخصه في المسائل الدينية لكي يجد الإنسان مخرجاً عند حلول الخطب وزيادة مخصصات الضمان الاجتماعي والخدمة الاجتماعية وتوفير السكن الخيري المؤثث المناسب وتلمس حاجة الفقراء والعلاج الصحي وتعليم الشباب مهناً فنية تكفل لهم لقمة العيش الهنية وتشجيع المشاريع الصغيرة وبخاصة المتعلقة بالأسر المنتجة، وكذلك توفير النوادي المتكاملة للشباب والقضاء على التهريب والمخدرات.. والمتأمل يجد أن الدولة - رعاها الله - لا تألو جهداً في حل هذه الإشكالات إلا أن المجتمع يطالب بالمزيد للقضاء على هذه الظاهرة التي بدأت تشيع في المجتمع. الانتحار بين الجنسين ويُؤكد الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله السعيد مدير إدارة الدعوة والإرشاد بالرياض أن المجتمعات الغربية تختلف عن المجتمعات الإسلامية بكثرة المنتحرين بشكل لا يُصدق ولا يمكن تخيله ولا سيما في الآونة الأخيرة، فقد عشت ردحاً من الزمن بينهم ورأيت ذلك بعيني واطلعت على سير حياتهم وخبرت طريقة معيشتهم وبؤسها وشاهدت ما تمر به مجتمعاتهم من اضطراب وخلل لا يزال قائماً إلى يومنا هذا ومما قرأت من تقارير الانتحار الرسمية التي نشرت في الولاياتالمتحدةالأمريكية تقريراً رسمياً صدر عن: «ظاهرة الانتحار بين الجنسين» قدم إحصاءات دقيقة جداً عام 2002م يفيد بأنه بلغ عدد المنتحرين أكثر من 31 ألف حالة انتحار في عام واحد من جميع الأجناس. ويُوضح السعيد الأسباب المؤدية للانتحار بين الجنسين وفق ما يلي: 1 - أسباب عقائدية، وهي قسمان: أ - «المعتقد الديني، والفراغ الروحي»: وهما من الأسباب الرئيسة وهذا خاص بغير المسلمين حيث إنهم يؤمنون بمعتقدات خاوية فارغة من كل شيء لا تحصنهم ولا تمنعهم من الانتحار والإقدام عليه، بل قد تكون السبب الأول له فتدفعهم إليه بل قد تدعوهم إلى الانتحار وتشيد به وتبارك لمقترفيه، بخلاف الدين الإسلامي المُنزل من رب الأرض والسماء سبحانه. ب - «ضعف الوازع الديني»: وهذا خاص بالمسلمين حيث هناك من المسلمين من يتهاون بالتعاليم الإسلامية ولا يعمل بها بل هناك من ابتعد عنها ظناً منه أن الإسلام هو سبب ما يمر به من مصائب وحوادث والعياذ بالله، فتراه يبحث عن حلول وهمية واهية قد شكّلها في ذهنه شيطانه الذي لعب عليه فأبعده وأقصاه ليمكر به، وإلا لو رجع إلى قرارة نفسه وإلى عقيدته لعلم بأن الله أنعم عليه بنعم لا تعد ولا تحصى بل أنعم عليه سبحانه بأن أنزل عليه في كتابه المعجز العظيم «القرآن الكريم» الذي في حقيقته شفاء له وللعالمين أجمعين شفاء لما في صدره من هم وحزن، بل هو الشفاء له من كل مرض أصيب به وحصن ووقاية له من كل شر يُراد به كما قال تعالى في ذلك: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا} وقد ذكر الله بقوله: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}. وقال سبحانه مشدداً على ذلك وأن الانتحار يُعد عدواناً على النفس وتعدياً عليها بغير حق {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا}.. وهذه التوجيهات الإلهية علاج ودواء فعّال للنهي عن الانتحار والإقدام عليه. 2 - أسباب اجتماعية ومنها «المشكلات الأسرية» مثل: الطلاق، والخصومة بين الزوجين، والخيانة من أحدهما، وقضايا الشرف والعرض، وغيرها من المشكلات التي إذا وقعت داخل الأسرة أصبح أفرادها معرضين لأي مصيبة قد تحدث وفي مقدمتها الضياع والانتحار ولا سيما إذا كانت قلوبهم خاوية من التوجيهات الإلهية ومحصنة بالإيمان الحقيقي عندها يصبح الانتحار أبسط الأمور وأسهلها، فيقدمون إليه بأي طريقة كانت. 3 - أسباب نفسية منها «الاضطرابات النفسية»: مثل: الكآبة، واليأس، والعزلة، والعدوانية، إلى غير ذلك وما قد تحدثه هذه الاضطرابات من أمور قد تكون السبب الأول من وراء الانتحار، وهذه الاضطرابات تحدث كثيراً للناس مسلمهم وكافرهم ولكن المسلم الذي أُصيب بهذه الأمراض يجد علاجاً لها في كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبي هريرة رضي الله عنه قال: «لا يتمنين أحدكم الموت، إما محسناً فلعله يزداد، وإما مسيئاً فلعله يستعتب». متفق عليه، ومعنى يستعتب أي يتوب ويرجع وفي رواية الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يتمنين أحدكم الموت ولا يدع به من قبل أن يأتيه إذ إنه إذا مات انقطع عمله، ولا يزيد المؤمن عمره إلا خيراً».. فمن هذا الحديث نفهم دعوة النبي عليه الصلاة والسلام المؤمنين وغيرهم بإخبارهم أنه كلما ازدادت أعمارهم في الإسلام فإنه خير لهم.. وروي الإمام الترمذي عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: «خير الناس من طال عمره وحسن عمله».. ومن مميزات الإسلام عن الديانات والمعتقدات الأخرى أن مجرد الدعاء على النفس بالهلاك والموت منهي عنه من الشارع سبحانه سواء كان لمصيبة وقعت أو لمرض أصيب به أو لهم أو حزن لازمه، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه، فإن كان لا بد فاعل فليقل: «اللهم أحيني إذا كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي». متفق عليه.. ولكن الكافر ليس لديه علاج يساعده على اجتيازها والنجاة منها فيلجأ عندها إلى الانتحار بأي طريقة كانت معتقداً بأن هذا هو العلاج لما هو فيه من مرض أو مصيبة أو هم وحزن. 4 - أسباب سلوكية «إدمان المخدّرات والمسكرات»: حيث إن أكل المخدّرات وشرب المسكرات من الأمراض التي تُؤدي بصاحبها إلى الانتحار والهلاك والله تعالى يقول: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}، والمخدّرات والمسكرات من المهلكات لا شك في ذلك ولا تنفكان من صاحبهما إلا إذا عاد إلى ربه وتاب، وبحث عن العلاج المناسب، وواظب عليه، وبدَّل الصحبة بصحبة تعينه على الانفكاك منها، وإلا كانت نهايته إلى الضياع والهلاك والانتحار، وكثير من المنتحرين في بلاد الغرب سببه إدمان المخدرات والمسكرات وملازمتهما وهما مرضان خبيثان يعملان في المجتمعات وينخران في جسدها والمعصوم منهما من عصمه الله.