تأليف : الأديب الدكتور إبراهيم بن عبدالرحمن التركي: قراءة - حنان بنت عبدالعزيز آل سيف - بنت الأعشى: تشهد الثقافة العربية مآزق عدة، وسلبيات جمة، وقد أبدع الأديب الدكتور إبراهيم بن عبدالرحمن التركي في استعراض هذه المآزق، في الكتاب الذي أسلفت لك عنوانه قبل برهة، وهذا الإبداع جاء عن موهبة وصنعة فهو أديب من الطراز الأول، ثم هو كاتب كبير له حنكة ثرة، وتجربة ثرية في الباع الصحفي، والكتاب شِرِ التساؤل عن ماهيته وكنهه، مما يدفع القارئ إلى تصفح الكتاب والقراءة فيه، ويجمع الكتاب بين أهابيه أكثر من خمسين مأزقاً ثقافياً، استعرضها المؤلف برحابة صدر، وانشراح خاطر، وجاء الطرح بلغة أدبية رمزية جميلة جداً، فهو يعمد إلى التلميح دون التصريح، كما أنه كان موسوعي التناول، وعرض بضاعته على قارئ الكتاب بذكاء عقلي شديد، فالكتاب يشير إلى واقعنا المعاصر فهناك ثمة انفصام بين هويتنا وثقافتنا، فقد أبدع في تصوير سلبياتنا الثقافية معتمداً على ركيزتين وهما: الاستدلال التراثي، والتدليل العصري، ولا تكمن أهمية الكتاب في كونه فريداً في بابه فقط، بل لأنه يطرح الأدلة والبراهين على ما تتسم به الثقافة العربية من مآزق فصولية، وموضوع الثقافة العربية من أهم الموضوعات المطروحة على الساحة الآن، وقد أقلقت مضجع أديبنا الدكتور إبراهيم التركي - حفظه الله ورعاه- فكان هذا الكتاب التحفة والذي يتسم أيضا بكونه مزيداً ومفيداً، ومن هناك لا يخامرنا أدنى شك في الجهد الذي بذله المؤلف في كتابه هذا، وذلك لأن موضوع الثقافة يتصف بالعناء العلمي، ويحتاج إلى موسوعية بحث أكاديمي دقيق، وقد أجاد وأفاد - سلمه الله- كما أنه استطاع تجلية الموضوع وتوضيحه من المآزق والمهالك التي تحيط بالثقافة العربية، من أقرب الطرق وأيسر السبل، ومن الإنصاف في القول أن نقول: إننا ما زلنا بحاجة شديدة إلى أمثاله من المؤلفات والمصنفات، ليثري ويطرب رفوف المكتبة العربية، بمثل هذه النفائس وتلك الذخائر، يقول المؤلف في مقدمة الكتاب: (هذا الكيان محاولة لجمع أبرز الإشكالات الثقافية التي رصدها المؤلف من خلال متابعته وممارسته وقربه من الوسط الثقافي، فلعل فيها فواتح ومفاتح، ساعيا بنماذج تؤكد أن الفواصل مساحة للتعليل والتبديل والتوقف، ومع أن المساحة متماهية بين المآزق، فقد اعتمد «التقسيم الافتراضي» تيسيراً للقراءة والاستقرار لا أكثر، فالكتاب يقرأ دون فواصل وإن وشى اسمه بها)، ومن خلال مقدمته يتضح لنا أن هذا الكتاب جاء مدخلا وبوابة إلى الكثير والعديد من مآزق الثقافة العربة، وأوضاع المثقفين العرب على تباين توجهاتهم، واختلاف مقاصدهم، يتساوى في هذه الحقيقة كل من الإسلاموي والليبرالي، والقومي، والشعوبي، والمندلق والمنغلق على تعدد مشارب الناس، وتنوع مقاصدهم، وكما جاء في مقدمة الكتاب قوله: (شكلان مختلفان من أشكال السلوك الفكري والإنساني يلتئمان فيكونان شخصيات متزنة متوازنة قادرة على التفاعل مع الآخر من دون خضوع أو ارتياب، من يتجاوز حركة الشراء والبيع يحتاج إلى أن يكون سهل التعامل من دون أن تتولد لديه عقد داخلية، تملي عليه فوبيا مرضية قد تنقله إلى عزلة أو اعتزال سواء أجاءت اختيارية أم قسرية)، وحتى يصل المؤلف إلى غرضه الأساسي، وهدفه الأصلي، فقد سرد مآزق الثقافة العربية المتعددة، كالاعتراف والأبوة والتزوير والانفعال والوهم والتشظى والعولمة والرمز والتصنيف الثنائيات التخصص والتزييف والتنظير، والخرافة والتشدد والاكتئاب والابتسام وغيرها، وقد بسطت الحقائق بانشراح صدر، كما يتضح هذا ومن عذب حديثه، وسلسبيل منطقة، ما أدلى به في مأزق المعرفة عن وضع المعلم السعودي، والترهات التي تحيط به، والضعف والتهالك في محاسبته على قصوره العلمي والتعليمي، فيقول: (إن وزارة التربية وكذا التعليم العالي تنتهي علاقتها بالمعلم أو الأستاذ بعد دخوله القاعة المدرسية، فلن يُغرّم إذا لم يُعلّم ولن يضرر إذا تأخر بشخصه أو تغيب بمدركاته، سيُكتفى بنقله من صف إلى آخر أو من مدرسة لسواها، أو على الأكثر من منطقة إلى منطقة، وليس في هذا أكثر من تعميم النموذج السيئ ليمارس أخطاءه بمنأى عن دائرة الضوء)، ثم في مأزق المعرفة هذا يرى أن الأوان قد آن لفرز المعلمين بكل جدية، وتقويم التربويين بكل صرامة، ومن خلال هذا المأزق يحدد وضع التعليم السعودي وما هو عليه من ضعف بدءاً بالمعلم وانتهاءً بالجامعة، وعبر مأزق المعرفة، ومنزلق التعليم يقول: (لا نحتاج إلى أن نعلم أن جامعاتنا في المرتبة المئة أو الألف أو حتى مئة الألف لنبدأ حواراً عاطفياً حول التعليم كما لا يهمنا إن جاءت المعايير المعتمدة متميزة أو متحيزة، فحتى لو صنفت الجامعات السعودية ضمن العشر الأول فلن يغير ذلك من حقيقة تدهور التعليم لعوامل يشترك فيها المخطط والقائد والمنفذ «التربويون كما يسهم المجتمع قبلهم أو معهم في وضع عقبات أمام التطوير». ومن خلال قراءتي وتجوالي في الكتاب رأيت تألق المؤلف في أسلوبه، وفي طرحه لمزالق ومآزق الثقافة العربية، والتي بسطت باهتمام وسعدت بوقفة طويلة عندها، وجاء هذا الطرح قوياً يقوم على التدليل والبرهنة، وعلى الخبرة والممارسة، وأعجبتني وأخذت بتلابيبي تلك الشواهد الشعرية، والاقتباسات النثرية، والذخائر الأدبية، التي زينت ديباجة الكتاب، وأضفت على مستواها العلمية والإمتاع والإيناس، فهي أدبيات قطفها المؤلف من كل بستان تنزه فيه، بكل جدية ومهارة وتمكن، فجاء الكتاب ضليعاً في الأدب، مختالا في الأرب، فلله دره. عنوان التواصل: ص.ب 54753 الرياض 11524 - فاكس : 2177739 [email protected]