حينما حصل شاعر العرضة الجنوبية المبدع: عبدالواحد الزهراني على شهادة الدكتوراه، وتقدم إلى هيئة التدريس في إحدى جامعاتنا الموقرة طلبت منه الجامعة إياه (أن يكتب تعهداَ شخصياً بأن يترك ممارسة (شعر العرضة) لقاء قبوله أستاذاً في الجامعة، إلا أن الدكتور عبد الواحد قال إنه لا يمثل نفسه فقط في هذا الفن الشعبي حتى يتنازل عنه؛ لأنه أصبح ليس ملكاً له وحده، بل يمثل جماهيره ومحبيه وموروثه الشعبي الكامل، وأنه لا يمارس أمراً مخجلاً لا سمح الله - بل يمارس فناً رجولياً أكسبه محبة الناس ومعرفة الأخيار من الرجال، وأنه يقوم بخدمة تراث منطقته، وبالتالي تراث بلاده. بالطبع هذا الخبر (الغريب العجيب) والذي جاء من خلال إحدى البرامج المهتمة بالشعر الشعبي (الديوانية) تحديداً والتي نقلت التصريح -مباشر- عنه، والتي تولت نشره صفحة (مدارات شعبية) في جريدتنا الغراء هذه في يوم الجمعة الفائت - وقد علق حضور البرنامج بأن الحرم الأكاديمي في كثير من جامعات المملكة يعارض الشعر الشعبي بشكل عام (أأه..!؟) هذا الخبر (الغريب) أعاد إلى ذاكرتي الشخصية أن الشاعر الكبير خلف بن هذال -أطال الله في عمره وحفظه الله من الشائعات التي (تميته وتحييه) من (عندياتها) كل فترة مع أن الموت والحياة بيد رب العالمين وحده لا اله الا هو- أقول إن خلف بن هذال حينما كان في بدء شبابه عسكرياً في دولة الكويت، وكان يمارس الشعر الغنائي، استدعاه رئيس الأركان الكويتي، وقال له: يا خلف اختر بين الجندية أو الغناء. وأعتقد أنه اختار الخيار الأخير ووفقه الله إلى أن أصبح من كبار الضباط في المملكة، ومن كبار الشعراء أيضاً، والأمر نفسه حدث مع الفنان والشاعر الكبير حجاب بن نحيت في بدء شبابه وتعلقه بالفن؛ إذ مورست ضغوط عليه في أن يترك الفن لأنه ابن شيخ قبيلة، ولكنه تمسك بالفن لأن المشيخة ليست رتبة تنزع أو تعطى ولا (منة) لأحد عليه فيها؛ لأنه شيخ وابن شيخ منذ القدم. وهكذا بقي (ابو عبدالله) فناناً عظيماً وشيخاً نبيلاً إلى اليوم -أطال الله عمره-. بقي أن نقول إن رئيس جمهورية السنغال السابق ليوبولدسنغور ترك السلطة وتفرغ للشعر وهو اليوم من أهم شعراء العالم؛ لذا أقول للجامعة التي اشترطت على الدكتور عبدالواحد الزهراني هذا الشرط (الغريب العجيب) ان الشعر موهبة ومفخرة للأكاديمي وللجامعة التي يدرس فيها.