انتهيت الآن من قراءة الكتاب الصادر توّاً للدكتور عبدالرحمن الشبيلي، بعنوان «حديث الشرايين»، يروي فيه بأسلوب مؤثر رحلة ستة عشر عاماً من معاناة ابنه المرحوم طلال مع أمراض القلب ومضاعفاتها، حتى انتقل إلى رحمة ربه في باريس في شهر ذي القعدة الماضي 1433ه. الذين يعرفون الدكتور عبدالرحمن الشبيلي عن قرب يعلمون أنه لا يميل إلى الحديث عن همومه وشجونه الشخصية، فعلى الرغم من زمالتي له منذ الدورة الثانية لمجلس الشورى قبل حوالي ستة عشر عاماً لم أعلم إلا القليل عن تفاصيل مرض ابنه ومعاناته، فلم يكن الدكتور الشبيلي يتحدث عن هذا الموضوع، وكنت كثيراً ما أشعر بالتقصير حين أتجنب السؤال عن طلال أو الحديث عنه مع أبي طلال، لكنني كنت أنطلق من احترام الخصوصيات، حتى خصوصيات الأصدقاء، وعدم الرغبة في نكأ الجراح، لأن الحديث أحياناً في مثل هذه الموضوعات يتحول إلى ما يشبه الثرثرة الاجتماعية، خاصة عند إساءة التوقيت. لذلك كان صدور كتاب «حديث الشرايين» مفاجأة لي، وعندما حصلت على نسخة من الكتاب الصادر حديثاً جداً الذي لم يطبع منه الدكتور الشبيلي سوى نسخ محدودة، قرأته فوراً، ليس فقط بسبب ولعي الشديد بالقراءة، ولكن أيضاً لرغبة حقيقية بمشاركة صديق عزيز مشاعره، وكما توقعت، لم يكن الكتاب «توثيقاً» لحالة مرضية، بقدر ما كان نصاً أدبياً راقياً نسجته مشاعر مرهفة لأبٍ مكلوم بفقد ابنه الوحيد، ومعايشة أليمة لمحنة مرض ابنه بصبر وإيمان وشجاعة. ليس ذلك فقط، بل إن الشبيلي تسامى على آلامه الشخصية، وخرج من هذا الابتلاء باستنتاجات ودروس كبيرة لم يبخل بها على قرائه، فختم بها كتابه بشكل مؤثر، عندما قال: «أختم بالقول إن الكثير منا، عند قراءة القرآن الكريم، يمر سريعاً على بعض الآيات دون أن يقف عندها ليتدبر معانيها، فضلاً عن أن يتمعن في إعجازها وبلاغتها». وراح الشبيلي الكاتب يغوص في معاني الآية الكريمة {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} من خلال حالات المد والجزر ولحظات الأمل والانكسار التي عاشها مع أكبر الأطباء في الرياض وباريس. كتاب «حديث الشرايين» إضافة لمسيرة الدكتور الشبيلي الكتابية تنطلق من الخصوصية والحميمية وتتجاوز المستوى الشخصي لتكون نصاً أدبياً جميلاً يستولي على مشاعر القارئ، حتى ممن لا تربطه علاقة أو معرفة شخصية بالمؤلف. رحم الله طلال الذي عشنا رحلته المؤلمة والشجاعة في «حديث الشرايين» وأسكنه فسيح جناته. [email protected] ص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض