مع حلول العام الجديد وبدء أولى الطروحات الأولية لأسهم الشركات للعام 2013 من خلال الاكتتاب ب50% من أسهم شركة أسمنت المنطقة الشمالية في الثامن من يناير المقبل، وكذلك طرح 30% من أسهم الشركة الوطنية للرعاية الطبية في الرابع من فبراير المقبل، فإنه يتوجب على هيئة السوق المالية أن تراعي التوازن في عمليات الطرح وتجنيب المواطنين الاكتتاب في أسهم شركات صغيرة لا تقدم للسوق المالية العمق الذي تسعى هيئة السوق إلى تحقيقه، ولا يجني منها المساهم سوى الفتات إذا ما تخلص من السهم في أول أيام التداول، فيما «تنعم» المؤسسات المالية وأصحاب الشركات التي تم طرحها ب»هبرة» محصلات الاكتتاب. فيما مضى كان الطرح العام يلقى إقبالاً كبيراً من قبل المكتتبين بل أنهم كانوا يتهافتون على البنوك ويستخدمون جميع الوسائل المتاحة للاستفادة من تلك الكعكة «الحلوة» التي ربما هي اليوم «باهتة» بسبب فقدان الموثوقية في الشركات التي أصبحت تطرح أسهما للاكتتاب العام إما بعلاوة إصدار مرتفعة وأما بأداء تشغيلي ضعيف، وبمجرد الطرح تبدأ الشركة تدخل في دوامة تراجع الأرباح وبنسب مرتفعة إلى أن تصبح في قائمة شركات «الخشاش» المثقلة بالخسائر وتآكل رأس المال. إن الأداء غير الجيد لبعض الطروحات خلال الأعوام الماضية لا شك أنه دفع بالكثير من المواطنين إلى الانتقاء بشكل أكبر أثناء عملية الاكتتاب، ويتبين ذلك جلياً من خلال انخفاض معدل التغطية الذي لم يعد يتجاوز ال1.8 مرة في بعض الطروحات. كما أن هذا الإقبال الضعيف على الاكتتابات وصغر حجم الشركات المطروحة كان له دور كبير فيما يمكنه وصفه ب»تشويه السمعة» للسوق؛ حيث تم اجتذاب بعض تلك الشركات المطروحة إلى ساحة المضاربات، فيما عانت البقية من انخفاض السيولة المدارة عليها أغلب الفترات الزمنية بعد الإدراج بصورة أدت إلى انخفاض أسعار بعضها إلى دون سعر الطرح المرتفع أصلاً بفضل علاوة الإصدار. صحيح أن سوق الأسهم السعودية تصدرت أسواق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من حيث عدد الطروحات الأولية للعام 2012، لكن العبرة ليس بالعدد وإنما بالنوعية، ورغم ذلك فهي تعتبر «فاترة»، إذا ما نظرنا إلى السوق السعودية بأنها الأكبر عربياً فضلاً عن كون معظم الشركات التي تم طرحها ذات رؤوس أموال تتراوح بين صغيرة ومتوسطة، ولذلك فإنها لم تترك أي بصمة على السوق. معلوم أن المستثمرين الأفراد هم القوة الدافعة لسوق الأسهم، ووجود طروحات أولية مرتفعة الربحية تعد عاملا مهما للسوق والمتعاملين، لذلك فإنه يجب على هيئة السوق المالية إعادة الثقة لهم من خلال التركيز على استقطاب الشركات الكبيرة والعائلية التي تحظى بمعدلات ربحية مرتفعة، وهي موجودة في الاقتصاد السعودي، ولها مساهمة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي ولديها نمو حقيقي سنوي، وكذلك فرض عنصر التنوع على مستوى القطاعات المدرجة في السوق. إذ إن بعض القطاعات قد وصلت بالفعل إلى مرحلة التشبع مثل: التأمين، والأسمنت، والزراعة والصناعات الغذائية، فيما يوجد قطاعات لا زالت بحاجة لنشاط أكبر في الطروحات الأولية، مثل: قطاع الاستثمار الصناعي، التشييد والبناء، والتجزئة، كونها قطاعات ترتبط مباشرة بتعزيز التنوع في القاعدة الإنتاجية وخلق فرص عمل جيدة للسعوديين. كذلك هناك قطاعات بحاجة لاكتتابات جديدة مثل: توليد الكهرباء، النقل، وقطاع البتروكيماويات، وذلك في ظل الأداء الجيد الذي تحققه تلك الشركات، إلى جانب تشجيع الشركات العائلية الضخمة المستفيدة من العقود الحكومية على الطرح. [email protected]