أشار الزميل العزيز الدكتور عبد العزيز السماري في زاويته الأسبوعية بصحيفة الجزيرة (بين الكلمات) المنشورة بتاريخ 9 صفر 1434ه إلى أن الممارسين الصحيين السعوديين عادوا مرة أخرى لممارسة حقوقهم المكفولة من قبل الدولة في المطالبة بتعديل سلم الكادر الصحي الجديد أو إلغائه. عدد الممارسين الصحيين السعوديين في القطاعات الحكومية يبلغ حسب الكتاب الإحصاء السنوي لوزارة الصحة لعام 1432ه 111.400 ممارس صحي من فئات الأطباء والصيادلة والممرضين والأخصائيين والفنيين الصحيين، ولم يذكر الدكتور عبدالعزيز أي فئة من هؤلاء الممارسين يطالب بتعديله أو إلغائه- خاصة أن هناك فرقاً بين التعديل والإلغاء. إلا أنه يتبين عند متابعة المقال أنهم الممارسون الصحيون في المستشفيات المتخصصة غير التابعة لوزارة الصحة. فإذا استبعدنا مستشفيات وزارة الدفاع والمستشفيات الجامعية التي لم تكن تقدم رواتب أعلى من سلم رواتب الكادر الجديد قبل إصداره، أو يكون بعض منسوبيها مشمولاً بكوادر أخرى (كادر منسوبي الخدمة العسكرية وكادر أعضاء هيئة التدريس)، فلا يتبقى إلا منسوبو مستشفيات الحرس الوطني ومستشفى قوى الأمن ومستشفى الملك فيصل التخصصي في الرياضوجدة، وهم يمثلون 5% من مجموع عدد الممارسين الصحيين السعوديين في القطاعات الصحية الحكومية -- ولهم وزنهم ومكانتهم في النظام الصحي بلا شك. لكن ذلك يعني أن ما يقارب 95% من الممارسين الصحيين الحكوميين يستفيدون من هذا الكادر الجديد بشكل أو بآخر. وهذا المؤشر الإيجابي هو الذي يخدم (مصلحة الوطن ومستقبل العناية الصحية)، حيث يمثل حافزاً قوياً لهذه النسبة العالية من الممارسين الصحيين - وعلى الأخص في المدن الصغيرة والمناطق البعيدة. ويكفي أن نعرف أن رواتب الممارسين الصحيين في المستشفيات المتخصصة وقت إعداد الكادر الصحي كانت تفوق رواتب زملائهم في المستشفيات الأخرى والمراكز الصحية بمقدار الضعف - وأحياناً أكثر من ذلك- حتى مع تساوي المؤهل والخبرة وطبيعة العمل. وإن كان المقصود بتعديل سلم الكادر هو المطالبة بزيادة الرواتب فإن هذا أمر مشروع يطالب به في جميع أنحاء العالم كل من يشعر بالغبن أو الصعوبة في مواجهة تكاليف المعيشة. إن سلم الكادر الجديد رفع الرواتب ومنح المميزات - مع تدرج في الزيادات من فئة لأخرى. إلا أنه بالطبع لم يحقق كل رغبات الممارسين الصحيين في الزيادة. فالأخصائيون والفنيون من التمريض والفئات الصحية المساعدة قد يرغبون في زيادة بدل التفرغ ليتساوى إن لم يكن مع الأطباء فعلى الأقل مع الصيادلة؛ وعامة الممارسين الصحيين في غير مستشفيات وبرامج التشغيل الذاتي يرغبون مساواتهم مع منسوبي تلك المستشفيات والبرامج من حيث دمج بدل التفرغ مع الراتب الأساسي ليرتفع بذلك المعاش التقاعدي. ولا أظن مجلس الخدمات الصحية سيقف في وجه هذه المطالبات، لكنه لا يملك إلا أن يوصي بذلك، فليس القرار بيده. وكذلك الحال بالنسبة لمنسوبي المستشفيات المتخصصة، فإنه يمكنهم - في إطار الكادر الصحي نفسه - المطالبة بالزيادة مستندين إلى ما يرون أن مستشفياتهم تتميز به من مستوى رفيع في الخدمة التخصصية الدقيقة ومن كفاءات متميزة، وذلك بتطبيق البند (ثالثاً) من قرار الكادر الصحي المعتمد من مجلس الوزراء بتاريخ 1-6-1430ه مع تعديل بسيط في صياغته. وأظن أن مجلس الخدمات الصحية سيتبنى مثل هذه المطالبة أيضاً ويوصي بها؛ ويساعد على ذلك أن قرار الكادر طلب من مجلس الخدمات الصحي وضع معايير لتصنيف المستشفيات الحكومية إلى مستشفيات عامة وتخصصية ومرجعية. وأخيراً فإن مقال الزميل الكريم تضمن نقاطاً تستدعي الملاحظة وهي: ) (أن الكادر الجديد جاء في صفحة واحدة بينما في الدول المتقدمة توضع الكوادر المهنية للتخصص الواحد في صفحات). - الواقع أن الذي وضع في صفحة واحدة هو سلم الرواتب، أما تحديد الفئات والمستويات والدرجات المناسبة فقد أرجعه القرار إلى دليل التصنيف والتسجيل المهني الصادر من الهيئة السعودية للتخصصات الصحية، وليست المشكلة في كثرة الصفحات. ولو أردنا المقارنة مع الدول المتقدمة في كتابة نظمها ولوائحها فهناك أشياء كثيرة نختلف فيها عنها، ومن بينها أن أطباءهم - مثلاً- يدفعون ضرائب دخل، أما نحن فلا تطالبنا الحكومة بشيء من ذلك. ) (أن الكادر الجديد هو القديم نفسه ورثناه من بقايا بيروقراطية دول تتعامل مع المهن بمنطق اشتراكي لا يراعي الاختلاف في نوعية العمل ومساحة الإبداع، والاختلاف كان فقط في تعديل الأرقام على الصفحة نفسها وبالمصطلحات نفسها). - الذي لا يكتفي بالاطلاع فقط على سلم رواتب الأطباء سيلاحظ أن مجموعة الصيادلة ومجموعة الأخصائيين تفرعت إلى ثلاث فئات في الكادر الجديد بدلاً من فئة واحدة: فئة (صيدلي- صيدلي أول - صيدلي استشاري)، وفئة (أخصائي - أخصائي أول - أخصائي استشاري)، ولكل فئة سبعة مستويات و28 درجة. أما نوعية العمل ومساحة الإبداع فقد عالجهما الكادر من ناحيتين : الأولى بمنح بدل التميز لذوي التميز المهني والسمعة والشهرة في مجال التخصص (30% من الراتب)، ويدخل في ذلك الأبحاث والابتكارات ونحو ذلك. والثانية أنه يجوز تمييز بعض التخصصات الصحية بدرجات إضافية. وهناك البدلات الأخرى: (الندرة - التدريب- الإشراف- العمل في المستشفيات النفسية وأقسام العزل والطب الشرعي)، ومكافأة العمل الإضافي (أجرة ساعة ونصف لكل ساعة عمل إضافية لبرامج التشغيل الذاتي حسب نظام العمل). ) (يرى الممارسون الصحيون أن موقفهم صعب من حيث تطبيق (سلم الكادر الصحي لوزارة الصحة) على المستشفيات المتخصصة غير التابعة لها لكون وزير الصحة يرأس الجهاز التنفيذي كوزير للصحة ومجلس الخدمات الصحية الذي يصدر التشريعات والتنظيمات الصحية، ولكي لا تسيطر وجهة النظر التنفيذية على التنظيمات التشريعية فإن الجمع بينهما غير صحي ومن الأنسب فصلهما). - هنا يجب القول أولاً أن سلم الكادر الصحي ليس لوزارة الصحة، بل هو لجميع الممارسين الصحيين السعوديين في القطاع الحكومي- حسب نص قرار مجلس الوزراء، وهم يؤدون الخدمة نفسها ويصرف عليهم من الجيب نفسه - ميزانية الدولة؛ وثانياً أن مجلس الخدمات الصحية لا يملك صلاحيات تشريعية، بل هو مجلس للتنسيق والتكامل يقر توصيات ولكنه لا يشرع. كما أن أعضاء المجلس يمثلون جهات تنفيذية، ولكل جهة صوت واحد - بما في ذلك وزارة الصحة، ما عدا التعليم العالي والقطاع الخاص فلكل منهما ممثلان. ) (إن منسوبي مستشفى الملك فيصل التخصصي يرددون أنهم يجب أن لا يخضعوا للقرار لأن المستشفى مؤسسة عامة تتبع نظام المؤسسات العامة مثل التأمينات الاجتماعية والتعليم المهني والخطوط السعودية وغيرها التي لها حق إعداد سلم الرواتب لمنسوبيها وأن التناقض يظهر في كون غير السعوديين والمنسوبين الإداريين والمهندسين والخدمات العامة يتمتعون بسلم المؤسسة بينما يطبق على الممارسين الصحيين السعوديين (سلم وزارة الصحة)؛ وأن مما يصعب مهمة هؤلاء الممارسين في المطالبة بحقوقهم المشروعة أن وزير الصحة هو أيضاً رئيس مجلس إدارة المستشفى). - كون رئيس مجلس إدارة المستشفى هو نفسه وزير الصحة لا يعيق المطالبة بحقوق مشروعة، فالتأمينات الاجتماعية والتعليم المهني يرأس مجالس إدارتها وزير العمل، أما الخطوط السعودية فتعمل بنظام الشركات الخاصة. ولا يوجد ما يمنع منسوبي المستشفى من المطالبة بزيادة مميزاتهم في إطار الكادر نفسه - كما أشرت آنفاً، ورفع المطالبة لمجلس الخدمات الصحية وسوف يجد ممثل المؤسسة في المجلس من يؤيده في المجلس نفسه. أما التناقض مع غير السعوديين من حيث تطبيق السلم فقد كان موجوداً - بحكم الضرورة ربما- مع الغربيين منهم قبل صدور الكادر. ) كما أن وزير الصحة لا يمكن أن يكون الخصم والحكم للأسباب التي ذكرتها، فكذلك لا أحد يريد أن يرى في الخمسة بالمائة الذين يطالبون بتعديل سلم الكادر الصحي الجديد أو إلغائه خصماً للمستفيدين منه لأن الكادر يتسع للجميع ويفسح المجال للحصول على الأفضل ضمن إطاره ودونما حاجة للاعتراض عليه من حيث المبدأ أو المطالبة بإلغائه. - عثمان عبد العزيز الربيعة