لاختيار مؤتمر وزراء الثقافة العرب المنعقد بالشارقة في العام الماضي للرياض عاصمة للثقافة العربية مغزى كبير,, ولتدعيم منظمتي التربية والثقافة والعلوم العربية والعالمية لهذا الاختيار مغزى اكبر,, فالمسيرة التي انطلقت قبل مائة عام، حملت في طياتها لهذه البلاد الطيبة آنذاك كل ما من شأنه ان يعلي قدحها في المجالات جميعها,, وبعد مائة عام ها نحن أولاء نحتفل بعاصمتنا الوطنية، عاصمة للثقافة العربية، وما هذا الاختيار الا تكريس لهذه الحقيقة التاريخية وليس كشفا ثقافيا جديدا، فدور البلاد التي نبعت منها الثقافة العربية والاسلامية ومصدر اشعاع نور القرآن الكريم ومهبط الوحي الذي تحدث بلسان عربي مبين، دور لا يحتاج لدليل. فقد ظلت هذه البلاد ومنذ عصور مبكرة تساهم وبفعالية كبيرة في نشر الوعي والثقافة العربية والاسلامية على امتداد وطننا العربي والاسلامي الكبيرين وظلت حلقات العلم فيها مصادر اشعاع ثقافي أساسي نهل منها العرب والمسلمون على مر الأزمان، وكانت حلقات العلم هذه التي اتخذت من المساجد دورا لها هي الشرارة التي انطلق منها نور القرآن الكريم والعلوم الاسلامية والعربية الاخرى الى مشارق الارض ومغاربها,, فقد تقاطر طلبة العلم الى هذه الديار لينهلوا من معين لا ينضب، وانطلق علماء العرب من هنا لينشروا رسالة العلم والمعرفة الاسلامية والعربية,, كانت هذه البداية الحقيقية التي جعلت من هذه البلاد بلدا متميزا,, ومن هذه الأمة أمة حاملة رسالة في العلم والثقافة والمعرفة، فكل المجموعات المهاجرة التي نشرت العلم والمعرفة في أرجاء الوطن العربي والإسلامي,, انطلقت من هنا! ثم جاءت مسيرة التوحيد التي سارت على درب السلف الصالح في اكمال هذه الرسالة على نحو أكثر فعالية، فقام الملك الموحد، طيب الله ثراه، بتأسيس دولة العلم والايمان، وعمل على تأسيس دور العلم النظامي، ووضع اللبنات الاولى لمؤسسات التعليم العام في بلادنا حتى صارت الآن منارات للعلم ومفخرة لنا جميعا ولغيرنا كذلك,, ساهمت في خلق أجيال من قادة الفكر والعلم والمعرفة قادوا هذه البلاد الطيبة لما هي عليه الآن من تطور طال كل مرافق ومناحي الحياة فيها، وجعلها منارة للثقافة والمعرفة العربية والإسلامية. الرياض عاصمة للثقافة العربية,, يحمل هذا الاختيار تأكيدا للدور الذي ظلت تلعبه بلادنا لتنمية المعرفة والثقافة في وطننا العربي الكبير,, وانه لهم كبير ,, فالعرب هم المجموعة الثقافية الوحيدة في العالم التي تحمل رسالة ثقافية بهذا القدر الكبير من الاهتمام والاحساس بالتحدي في وجه الثقافات الأخرى، والصراع الدائم معها من اجل البقاء والتفوق، لذلك تعتبر هذه المناسبة احدى الوقفات المهمة لتقييم الواقع الثقافي والعلمي العربي وتحديد موقعنا من خارطة العلم والثقافة في العالم، والعمل الجاد والدؤوب من خلال فعاليات هذه المناسبة في ترسيخ دعائم الوعي العربي والمساهمة في دفع عجلة تطوره للحاق بركب الأمم الأخرى ثقافيا على الأقل, فنحن ما زلنا في منأى عن التأثير الفعال على ثقافات الآخرين رغم هذا المخزون الهائل من الكم المعرفي والتراث والرصيد الثقافي الكبير,, وما زلنا للأسف الشديد نجتره حتى كدنا نخشى عليه من البلى. نحتاج ومن خلال فعاليات تستمر لعام كامل ان نعمل على تفعيل هذا الوعي وهذا العلم لجعله اداة فاعلة في نهضة امتنا العربية ولجعله اكثر التصاقا وقربا من انسان الشارع العربي وقضاياه. تتضمن فعاليات هذا الموسم الثقافي الكبير ان صحت التسمية على ندوات ومعارض علمية وثقافية وفنية واصدارات بهذه المناسبة من كتب ودوريات ونحن لا نعرف بعد محتوى هذه الفعاليات، بيد ان عاما كاملا يكفي لتناول كل الهموم والقضايا الثقافية العربية,, ان أحسن التخطيط له واذا تم استثماره الاستثمار الامثل. وتأتي رعاية سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز لهذا الحدث تأكيدا للرعاية والعناية التي توليهما قياداتنا لقضايا العلم والثقافة، وسمو الأمير سلمان ليس ببعيد عن هذا المجال، فقد كان سباقا في تأكيد هذا الاهتمام بانشائه لذلك الصرح الثقافي العملاق مركز الأمير سلمان الثقافي ، فهو يقف شامخا كأحد منارات العلم والثقافة في هذه البلاد والتي تساهم بفعالية في نشر الوعي والمعرفة بين أجيالنا، ومؤسسات الثقافة في بلادنا كثيرة، كمكتبة الملك فهد الوطنية ومكتبة الملك عبدالعزيز العامة، ودارة الملك عبدالعزيز، والاندية الأدبية والثقافية المنتشرة في طول البلاد وعرضها، هذا علاوة على مؤسسات التعليم العالي بجامعاته ومعاهده وكلياته,, والمتتبع لمسيرة التعليم في بلادنا لابد سيدهش كثيرا من التطور المذهل الذي طرأ عليها في فترة زمنية قياسية، مما يجعلها تقف شاهدا على الجهد الكبير الذي اضطلعت به قياداتنا الرشيدة في هذا المجال. الرياض,, عاصمة للثقافة العربية,, عنوان بسيط لمضمون كبير، نأمل ان توفق الجهات المشرفة عليه من الرئاسة العامة لرعاية الشباب، ووزارة المعارف والرئاسة العامة لتعليم البنات، ووزارة الاعلام فكلها جهات ذات اختصاص وعلاقة بالأمر نأمل ان توفق في المساهمة في وضع الثقافة العربية على عتبات الألفية الثالثة، وهي أكثر منعة وفعالية. والله الموفق،،