ما أعظم التناقض بين ما أراده الله لعباده في شهر رمضان، وما أراده ويريده الاعلام العربي,, وبخاصة ما تضخه الفضائيات أو (الفضائحيات) العربية من برامج فيها من الغث والعبث والسفاهة ما تعجز عن هضمه حتى نفوس السفهاء والمراهقين والبلهاء,,! إن المزاح المحتشم، والنقد الاجتماعي البناء، سواء كان مباشراً أو إسقاطيا هو فعل مقبول لدى الجميع,, ولا بأس به إذا رسم البسمة على الوجوه,,. ولكن ما تبثه بعض تلك الفضائحيات من رقص ومجون، وحركات حمقاء بل جنونية، وتصرفات خرقاء بذيئة لهي أعمال خارجة عن أطُرِ العقل والإصلاح الاجتماعي,, بل بعضها محرم شرعاً,. * * * ثم ما هي الدواعي لمثل هذه السخافات التي يزعمون براءتها,,؟ هل يعتبرون الصيام سجنا يريدون بهذه الحفلات الموبوءة التخفيف بها من معاناة السجناء؟ هل يعتبرون العبادة بالصيام وتلاوة القرآن وسائر الطاعات ثقلا على النفوس وباعثة على الاكتئاب,, لتعمد بعض هذه الفضائيات لمعالجتها بمثل هذه السفاهات والتفاهات,,؟ عَلَيَّ أن أبادر بالقول إنني لست ضد المسلسلات الاجتماعية (الانتقادية) وان رافقها شيء من الحركات الضاحكة,,, فنحن في أمس حاجة الى شلالات ضوئية تضيء ما في حياتنا من جوانب ما زالت قابعة في الظل تنتظر من يفتح لها نوافذ الشمس بحكمة وعقل واتزان. ولكن الذي يؤسفني ويؤلمني ما تقدمه بعض الفضائيات الخليجية والعربية مما يتنافى مع قدسية رمضان بخاصة وقدسية العبادات بعامة, وهي أشياء يعرفها الجميع. * * * ان شهر رمضان هو آنس الشهور، وأشرحها للصدر وأبعثها على الطمأنينة الروحية، واخراج النفوس من تراكمات الحياة ومتاعبها,, لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه كل عام في آخر يوم من شعبان قائلا: (يا أيها الناس إنه قد أظلكم شهر عظيم، شهر مبارك، شهر فيه ليلة القدر خير من ألف شهر، وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة,,) الحديث. فهل يعقل أن يكون هذا الشهر المُبَشَّرُ به من لدن سيد المرسلين وإمام المتقين محمد بن عبدالله ورسوله إلى الناس كافة موسما للرقص والخلاعة والمجون وأحط أنواع السفاهة؟ أم هو موسم للتزود من طاعة الله وتجنب معاصيه؟ قال تعالى: (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى). رمضان منحة من الله جل وعلا لعباده ليغسلوا به أوضارهم، ويجددوا به أعمارهم وأعمالهم، وليكونوا فيه أكبر قدر ممكن من (رصيدهم) الباقي لهم الى (يوم الحساب) وليس رصيد البنوك الدنيوية الفانية,. أنا لست بهذا (واعظاً) إلا أن أعِظُ نفسي قبل غيري,, ولكني أذكّر بعض من يقرأ هذا الكلام من القائمين على أجهزة الاعلام المرئية والمسموعة بأن ما اختطته من برامج لهذا الشهر ليس كلها صالحا للعرض,واذا كان الحامل عليها التنافس بين هذه الفضائيات لاستقطاب اكبر عدد من المشاهدين الى هذه القناة أو تلك فلاشك أنهم تنافسوا في غير ما أراد الله لهم أن يتنافسوا فيه. وهو تفلت ومخالفة لقوله عليه الصلاة والسلام: (اذا كان أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت ابواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت ابواب الجنة فلم يغلق منها باب, وينادي منادٍ يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار كل ليلة) الحديث. إن البرامج التي تقدم ادواراً تمثيلية تحكي بعض عيوبنا ومسالكنا الاجتماعية غير السوية لهي برامج مفيدة ويرحب بها الجميع ما دامت في إطار العقل واحترام القيم والمثل الاسلامية, أخذاً بقول فاروق هذه الأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (رحم الله من أهدى إلينا عيوبنا) ولكن بحيث لا تنزل بمعالجاتها الى مستوى الاسفاف والاستخفاف بعقول المشاهدين. والله يتولى الجميع بهدايته وتوفيقه.