تقول الحكمة أو المثل: (إذا دخل الرَّجل إلى المجلس ملأ إحدى عينيك، فإذا تحدث إما أن يملأ الثانية أو يقع من الأولى).. هذه العبارة أصبحت تنطبق على من يحملون المؤهلات العليا ويبحثون عمَّا يمنحهم الصفة المختلفة عن بقية البشر وهو الاعتقاد الخاطئ، ويكفي ما شاهدناه وسمعناه من وجود شهادات دكتوراه وهمية سعى أصحابها لاقتنائها وليس كسبها لمُجرَّد أن يملأوا إناءهم الخالي الوفاض. ولا شكَّ أن الاختلاف بين المؤهلين بدرجات عليا ولتكن الدكتوراه وارد ومثبت، حتَّى لو كانت مؤهلات بعضهم أو درجاتهم العلميَّة حقيقية في أيِّ من علوم الحياة إن كانت دينية أو خلافها فأغلبها تَمَّ الحصول عليها من خلال قدرات الحفظ وليس الاستيعاب ففقد أصحابها كيفية التَّعامل بها، ولم يكن لهم بتلك المكتسبات التي تعبوا من أجل تحصيلها طوال سنين دراستهم تأثير في أخلاقهم أو رقي ذائقتهم الوجدانية أو الاجتماعيَّة ولم تكسبهم حسن الخلق مع الآخرين ولا حتَّى كيفية إيصال علمهم لِمَنْ يستحقُّه، هذا الجهل جعلهم يعيشون حالة انفصام عن واقعهم وما يطرأ عليه من تطوّر وتحضر ويحيط نفسه بغشاء يفصله عمّن حوله، فكرًا وأسلوب معاملة. ومن المؤسف اعتقاد هؤلاء أيّ كانت تخصصاتهم أنهَّم أصبحوا بدرجاتهم العلميَّة فوق الجميع وأن ما هم فيه من تخصص يجب فرضه على الجميع، فأحالوها إلى أسلحة للتعدي على حريات الآخرين والتدخل فيما لا يعنيهم، وهي المرحلة الثانية من الجهل (الجهل بالعلوم الأخرى)، أيّ كانت تلك العلوم وذلك نتيجة لقلّة ثقافتهم ووعيهم بمختلف العلوم، وقد يكون ما حدث في جامعة الباحة من تعدٍ على لوحات لإحدى التشكيليات الموهوبات في الجامعة، من قبل أحد المسئولين فيها ممن يحملون درجة عالية من العلم (في تخصصهم) فقط، دون انفتاح على علوم أخرى ومنها الفنون التي أصبح لها كلِّيات وجامعات وأقسام ومتاحف ويقوم عليها أيْضًا رجال علماء فيها بدرجات عليا كما يحملها صاحبنا. هذا التدخل الذي تجاوز، وبتهميش لِمَنْ كان يقوم على المعرض مع غض الطرف عمَّا قدَّمته التشكيلية التي لا تلام على أيّ شكل من أشكال التَّعْبير التي أجزم أنها خضعت لمراقبة مسبقة ممن كلفوا بالمعرض، كما أن بإمكان هذا الرَّجل القدوة أن يلزم أسلوب النصيحة لا الفضيحة مع أن ما قام به فضح مستوى عقليته وعقلية من هم على شاكلته ممن ابتلينا بهم، ولكن رب ضارة نافعة فقد تعرفنا وتعرف كل التشكيليين والمُثقَّفين على إبداعات (هند) وتجاوبت معها قطاعات ذات علاقة بالفنون التشكيلية ومنحتها جمعية التشكيليين عضوية مجانية لمدة سنة. السؤال هنا: ما هو موقف وزارة الثَّقافة ووكالة الشؤون الثقافيَّة من مثل هذا التعدي الذي سبقه مطالبات عن حقوق الفنان التشكيلي ولم يجد لها التشكيليون أيّ تجاوب أو اهتمام، فسرقت كثير من الأعمال ونسخت أخرى، وطبعت لوحات على أغلفة كتب وروايات وقصص دون إذن من التشكيليين، وفقدت لوحات في مسابقات ولم يجد أصحابها أيّ رد أو إجابة عنها ممن قام على تلك المسابقات مما يدل على ضياع (الطاسة التشكيلية) التي سأتحدَّث عنها في زاوية قادمة بإذن الله. [email protected] فنان تشكيلي