سأتحدث في هذه الثلاثية عن تصوراتي بعد زيارة ملتقى «ألوان السعودية» الذي انتهت فعاليته بالأمس الذي نظمته الهيئة العامة للسياحة والآثار، ووجهة نظري وغيري الكثير الذي لمسته من خلال الحديث مع زوار الملتقى أو من خلال حوارات تويتر، أو في أماكن أخرى حول هذا الموضوع: لا يستطيع أحد أن ينكر أن ثقافة عرب الجزيرة بشكل عام، وثقافة أهل نجد على وجه الخصوص ثقافة سمعية امتدت على مدى قرون بل ألفيات عديدة، خفف المرتحل من حمله على قدر المستطاع ليتمكن من التنقل بسهولة، وركز منتجه الإبداعي ووعاء الحفظ والتسجيل في حاسة واحدة لا تثقله أو تثقل راحلته أينما أرتحل. وقد نقبل من إنسان تلك البيئة حصر هويته أو إنتاجه الإبداعي على الثقافة السمعية أو اللغوية، وإن لم تخل بعض الواحات والمناطق الحضرية من فنون ملموسة بصرية متنوعة، اندثر الكثير منها لأسباب مختلفة، ولم تصمد مثلما صمد إرثنا اللغوي. أما اليوم، وبعد استمتاعنا بموارد النفط على مدى عقود، وتحولنا التام من حياة البداوة إلى الاستقرار بل إننا نعيش حالة ثراء ورفاهية مقارنة بمعظم دول العالم، فإن اختلاف البيئة لابد أن يؤثر على المخرجات الإبداعية وكذلك على أوعية الحفظ والتسجيل المستخدمة. فلم نعد نعتمد على القصيدة لنقل أخبار الحروب، وأصبحت الصورة الثابتة والمتحركة التي تُنقل مباشرة من موقع الحدث هي المصدر الأول بل والأوثق للنقل والحفظ، ولم يعد أطفالنا يرددون أبيات الشعر والأهازيج، في مقابل قضاء ساعتين أو أكثر يوميا في متابعة مقاطع اليوتوب! لقد تحول الجيل الجديد من الثقافة السمعية التي وجدنا عليها آباءنا وأجدادنا، إلى ثقافة بصرية فرضتها علينا حياة التطور التي استوردناها بالكامل من ثقافات أخرى. جيل الثقافة البصرية أصبح مغرما بالانستغرام، ويرى أن أفضل هدية نجاح هي آلة تصوير احترافية! ولأنه لم يتعلم من أسرته ولا من مدرسته الثقافة البصرية، فقد اعتمد على أسهل (أداة) أو جهاز يُشبع ذائقته البصرية المتعطشة. وأكاد أجزم أن الكثير من الأسر تراقب هذا التركيز البصري لدى أبنائها، بل بعضهم يعتقد أنها موهبة (فنية) لأنه لم يتعايش مع ذات المحفزات البصرية التي عايشها هؤلاء الأطفال!، كما أكاد اجزم أن معظم تلك الأسر حائرة فيما تفعل بتلك المواهب في ظل ضعف أو عدم تأسيس ثقافة راعية للفنون البصرية خصوصا لمن هم في هذا العمر. أخيرا، ندائي إلى خبراء التخطيط لا تنسوا مقولة علي رضي الله عنه «لا تجبروا أبناءكم على عاداتكم، فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم»، ولا تنسوا أيضا أن جيلكم أصبحوا (قلة) مقابل (أكثرية) من جيل لم يعد يحفظ سوى الأبيات التي يصدح بها مطربه المفضل، لذا ليتنا نلتفت لأهمية وضع البنية التحتية لهذه الثقافة كي لا نجد أنفسنا وقد ضاعت هويتنا لأن أبناءنا لم يجدوا مصدرا لهم يثري شغفهم للثقافة البصرية سوى من الخارج. [email protected] twitter @Maha_alSenan **** Maha Alsenan Ph,D - أكاديمية وفنانة تشكيلية