أشرنا في المقال السابق إلى بعض التجارب الدولية في مجال حماية الشركات من التعثر، وركزنا على تجربة الاتحاد الأوروبي والتجربتين الأمريكية والبريطانية، وأكدنا على أننا في المملكة لسنا مطالبين بإعادة اختراع العجلة من جديد، وإنما يكفينا أن نستخلص الدروس المستفادة من هذه التجارب ونطبق ما يتناسب منها مع واقعنا على شركاتنا لحمايتها من التعثر بسبب الممارسات غير المهنية التي تقوم بها الإدارة في بعض هذه الشركات. وفي مقال اليوم نسعى للإجابة على سؤال هام هو كيف يتم تحقيق ذلك في الشركات التي قد تتطلب ظروفها عملية إعادة هيكلة كاملة بسبب كونها شركة متعثرة في الأصل أو تدار بطريقة غير فعالة؟ وقبل أن نتطرق لإعادة هيكلة الشركات المتعثرة علينا أن ندرك حقيقة أن منع حدوث التعثر أولى من معالجة التعثر، وهذا يتطلب منا أن نستوعب محددات التطبيق الجيد للإدارة الرشيدة في الشركات بصفة عامة، حيث إن هذه المحددات نوعان: الأول محددات خارج الشركات، وتشمل مناخ الاستثمار الذي يضم الاطارين التشريعي والمؤسسي الحاكمين لبيئة الأعمال في الدولة، مثل قوانين الشركات، وقوانين سوق المال، وقوانين الإفلاس، وقوانين حماية المنافسة. هذا بالإضافة إلى القطاع المالي ودرجة كفاءته، والأجهزة الرقابية ودرجة كفاءتها، إلى جانب الجعيات المهنية مثل جمعيات المحاسبين والمراجعين والمحامين وغيرها. وهذه المحددات الخارجية لها أهميتها في ضمان تفعيل القوانين والقواعد التي تحكم عمل الشركات، وتعمل على تحقيق التوازن بين المصالح العامة والمصالح الخاصة. أما النوع الثاني فهو محددات داخل الشركات، وتتعلق بالقواعد والإجراءات التي تحكم العمل داخل الشركات ذاتها، وذلك مثل قواعد واجراءات اتخاذ القرارات، وتوزيع السلطات، ودور كل من الجمعية العمومية ومجلس الإدارة والمديرين التنفيذيين. وهذه المحددات لها أهميتها في ضمان تحقيق التوزان بين مصالح جميع الأطراف، وعدم تعارض تلك المصالح. وفي ضوء هذه المحددات فإن نجاح حوكمة الشركات وتطبيق معايير الإدارة الرشيدة في الشركات السعودية يتطلب تفعيل النظم الحاكمة لمناخ الاستثمار، ورفع كفاءة القطاع المصرفي وربطه بجهود الحوكمة ورفع كفاءة كافة الأجهزة الرقابية، ورفع كفاءة الجمعيات واللجان المهنية، وتتويج ذلك كله بنجاح جهود الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في منع الفساد في الشركات الوطنية، وهي جهود يلاحظ أنها أصبحت مكثفة من قبالهيئة خلال الفترة الأخيرة بالتعاون مع الجهات الرقابية الأخرى ومع مؤسسات القطاع الخاص مثل مجلس الغرف والغرف السعودية. ومن واقع التجارب الدولية في مجال حماية الشركات من التعثر يلاحظ أنه رغم التفاوت بين هذه التجارب في أمور كثيرة إلا أنها جميعًا قامت باجراء اصلاحات في مجال قواعد إدارة الشركات، وذلك من خلال تغيير القوانين واللوائح أو من خلال وضع أفضل الممارسات المعلقة بقواعد إدارة الشركات، كما يلاحظ أن الهدف في كل هذه التجارب كان مركزًا بالدرجةالأولى على أن يكون هناك مجالس إدارة قوية ومستقلة في الشركات، وأن يتم تعزيز حقوق المساهمين وخاصة صغار المساهمين وتنشيط دورهم في ضبط إدارة الشركات، وتحقيق قدر أكبر من الافصاح المالي، ومنع سيطرة المساهمين الكبار والمديرين على المعلومات الداخلية أو استغلالها لصالحهم. خبير قانوني