مما لا يخفي أن الدعوة إلى الله هي وظيفة الرسل جميعا، وهي الدعوة إلى التوحيد الذي هو إفراد الله بالعبادة، ثم دعوة الناس إلى ما فيه صلاحهم في الدنيا والآخرة، وذلك بامتثال ما أمر الله به ورسوله واجتناب ما نهى الله عنه ورسوله قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ (سورة النحل الآية: 36)، وقال سبحانه وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ (سورة النساء الآية 64). وهذه الدعوة خوطب بها نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم- مع بيان أصولها وقواعدها وآدابها في قوله سبحانه ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ... (سورة النحل الآيةك 125)، وقوله جل وعلا قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (سورة يوسف الآية: 108). ولابد لهذه الدعوة من أصول تنطلق منها وتستند عليها وتستمد منها قوتها في قول الحق، ومن أهم هذه الأصول: العنايةُ بالدليلِ من كتابِ الله وسنةِ رسوله -عليه الصلاة والسلام-, وتقديم النقل على العقل، وهو أصل مستمدٌ من قولهِ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (سورة الحجرات الآية: 1) إنَّهُ معلمٌ بالغُ الأهميةِ, واضحُ الدلالةِ، إنَّهُ يَعني باختصار, أنَّهُ لا يَحقُّ لأحدٍ كائناً من كان, فقيهاً أو مُحدثاً أو مفسراً، أو داعية، لا يحقُّ له أبداً أن يتكلمَ باسمِ الدين, بعرضِ رأيهِ، وبما يُمليهِ عليهِ هَواه، وليس لأحدٍ حقُّ القَوامةِ على هذا الدين, فالدينُ دينُ اللهِ, والحكمُ حكمُ اللهِ, والشرعُ شرعُ الله, والأمرُ أمرُ الله, فلا يُطرحُ رأيٌّ ولا يُسمعُ قولٌ إلاَّ مقروناً بالدليلِ من كتابٍ أو سُنة, ولو فقهَ المسلمونَ وصيةَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حيثُ يقولُ: {تركتُ فيكم ما إن تمسكتم به لن تَضلوا بعدي أبداً، كتابُ اللهِ وسنتي} لو فقهَ المسلمون هذهِ الوصيةِ, لما حدثَ الانحرافُ والضلال, ولما حدثَ الغلوُّ والجفاء، وهكذا كانت دعوة السلفِ ومناهجهم الإصلاحية, تنطلقُ من نصوصِ الوحيين الشريفين. [email protected] المعهد العالي للقضاء