قدم ثلاثة من الشباب ممسكين برجل أمام أمير المؤمنين (عمر بن الخطاب)- رضي الله عنه- قالوا هذا الرجل قتل والدنا واعترف الرجل بفعلته، ولكنه طلب إمهاله ثلاثة أيام حتى يخبر أبناءه بثروة مدفونة لا يعلمها سواه وضمنه أبو ذر الغفاري قاربت ثلاثة أيام على الانتهاء وكاد أبو ذر أن يقتل لضمانه ذلك الرجل، وفي آخر لحظة قدم الرجل وعليه غبار الطريق وإجهاد السفر. فقال عمر للرجل لم حضرت وقد كان بإمكانك أن تهرب فقال الرجل: خوفاً من أن يقال ذهب أهل الوفاء بالوعد. فقال عمر لأبي ذر: وأنت لماذا ضمنته وأنت لا تعرفه. قال أبو ذر: خوفاً من أن يقال ذهب أهل المروءة والكرم. فقال أبناء القتيل: ونحن عفونا وتسامحنا حتى لا يقال ذهب أهل العفو عند المقدرة. أتمنى أن يقتدى بهم كل من كان بيده أن يعفو بعد أن قدر، فليس هناك أعظم أجراً من ذلك الأجر ويعمل بقول الله تعالى {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (134 سورة آل عمران) صدق الله العظيم. أتمنى أن يبتغي كل رجل بيده أن يعفو لوجه الله تعالى قبل كل شيء فكل ما عليها زائل لا محالة. وإن لم يعتقه لله تعالى وتنازل بمقابل فأن يرضى بالدية المقننة شرعاً لا أن يحمل الناس فوق طاقتهم كما يفعل بعض أولياء الدم الذين يطلبون مبالغ فلكية مستغلين بذلك ضعف وحاجة خصومهم لسلامة ابنهم. فلقد انتشرت في السنوات الخمس الأخيرة انتشار النار في الهشيم ظاهرة المساومة في الرقاب مقابل المال وبالأخص عندما يكون الجاني من المجتمعات التي يغلب عليها الترابط القبلي لأنهم يدركون أن طلبهم سوف يتم لأن الجاني منتم إلى قبيلة لن تتخلى عنه إذا كان المال هو السبيل الوحيد لكي ينجوكما هي العادة عند القبائل. أنا لا ألوم ذوي القاتل وأعلم علم اليقين لا قدر الله أنني لو كنت مكانهم لعملت المستحيل لكي ينجو ابني وأخي من حد السيف. وحكومتنا الرشيدة لم تأل جهداً في هذا الجانب بل وضعت في كل إمارة منطقة من مناطق المملكة لجنة يرأسها أمير المنطقة تسمى لجنة إصلاح ذات البين يقوم عليها رجال أتقياء يخافون الله ويرجون ثوابه لا يريدون من أحد مدحا ولا ثناء فشكراً لهم ولكل أمير منطقة على جهوده الخفية والظاهرة. أتمنى أن يجتمع صانعو القرار من شيوخ القبائل ويتفقون بالإجماع على وضع مبلغ معين ومعروف دائماً لكل قضية تحدث سواء كانت مساعدة في الدية أو غيرها من حوادث الدنيا كفانا الله شرها. ويجب أن يكون لكل قبيلة ملتقى سنوي خاص بها وحدها يلتقون من خلاله ببعضهم بعضا ويتعارفون ويكون لكبار السن والمثقفين فيهم دور في توعية الجيل الجديد وتنويره ويكون هناك تكريم من رجال الأعمال للطلاب المتفوقين لكي يصبحوا في الغد رجال المستقبل ليسهموا في خدمة دينهم ومليكهم ووطنهم لنواكب الشعوب المتقدمة.