كل المؤشرات توحي بأن سوريا مقبلة على مستقبل مجهول، وأنها على أبواب حرب إبادة محتومة، شئنا أم أبينا، تحصد من خلالها الأرواح، وتضعف الاقتصاد، وتدمر البنية التحتية للدولة. كما تشير المعطيات على أرض الواقع إلى أن النظام قد أصبح في عزلة حقيقية، وخصوصاً بعد تجاوز طموحات الشعب السوري أيّة محاولات إصلاحية من داخل النظام. ليس هناك وفق الصورة التي يمكن تكوينها عن بُعد حرب أهلية تعيشها سوريا، كما صرّح بذلك الأخضر الإبراهيمي قبل أيام، بل إن الأوضاع العامة تتجه نحو الأسوأ، وتدفع بها إلى نفق مظلم بعد تسارع الحرب في جميع أنحاء البلاد. فالشعب السوري - مع الأسف - يتجه نحو كارثة إنسانية واجتماعية واقتصادية طويلة المدى؛ ما شكَّل مزيداً من انتهاكات لمنظومة حقوقه، وضياعاً لرصيد حرياته. أخشى أن تتواصل حرب الإبادة التي يمارسها النظام، مقترنة بصراع إقليمي ودولي؛ ليمثل نوعاً من الحرب بالوكالة، بعد أن تتشابك المصالح في الأزمة السورية، وتختلط مع السياسات التي تمليها المصالح الاستراتيجية للدول الإقليمية، إضافة إلى مصالح الدول الكبرى، مع أنه ليس من السهل إدراك المعادلات الحاكمة للعلاقات الدولية، والإمساك بمفاتيح السياسات الدولية في هذه المنطقة على المدى القريب؛ الأمر الذي يعني أن كل الجهود المبذولة لن يُكتب لها النجاح إذا لم تأخذ في الاعتبار البُعد الإقليمي، وهو ما أكده المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية بأن الأهداف الاستراتيجية التي تسعى بلاده لتحقيقها من وراء المواقف، والتي تمسكت بها حتى الآن، إزاء الأزمة السورية منذ بداياتها في العام الماضي، هي المحكّ. ويقول: «إنه بتطورات الأزمة السورية فإن نظاماً دولياً جديداً يتشكل على نقيض النظام الدولي السائد الآن». وهو ما يفسر إصرار روسيا على أن تبقى المرجع الرئيسي في تحولات الأزمة السورية، وفق قواعد لعبة مختلفة في علاقاتها مع الدول الغربية. في ظل فراغ القوة الحاصلة في المنطقة، وغياب أي محور فاعل فيها، فإن قراءة المشهد السياسي في سوريا تؤكد أنه بعد انطلاق الانتفاضة الشعبية ضد النظام فإن الأوضاع لن تكون كما كانت قبلها، وأن اعتبارات متداخلة تفرض مزيداً من الغموض والتعقيد في إيجاد حل سياسي للقضية، وأن ما يجري في سوريا سيتجه نحو الأسوأ في قادم الأيام؛ بسبب تراخي المجتمع الدولي عن التدخل السريع لصالح الحسم الإيجابي للأمور؛ إذ ليس هناك ما يكفل وقف نزيف الدم في الأفق القريب، وهو ما ينبئ بأن التكلفة البشرية في الأزمة السورية صادمة، دون أية معالجة فاعلة في المستقبل المنظور، وخصوصاً إذا لم تراعِ الدول المعنية بالأزمة مصالحها في إطار أي تسوية محتملة للأزمة. [email protected]