كل مجتمع له عاداته وتقاليده المتعارف عليها، وخاصة المادية المحسوسة، وهي جزء من كيانه، غير مرفوضة له، طالما أنها لا تتصادم مع عقيدته وأخلاقه وأعرافه وتعاليم ديانته السماوية أياً كانت هذه الديانة، غير أن ثمة تقليعات تطرأ أحياناً نتيجة مؤثرات من هنا وهناك، تكون محل نظر وتوقف! الظواهر السلوكية الخاطئة على شخصية الفرد في مجتمعاتنا العربية والإسلامية كثيرة ومعظمها يقابل بالنقد، منها ما يطال شعر الرأس وهو ما يعرف (بالكدش) أو ما يتعلق باللباس وخاصة البنطلون وهو ما يعرف (بطيحني) لكن نريد في هذا المقالة طرح جزئية واحدة من هذه الظواهر وإن كانت في نظري أخف من سابقتيها، هذه الظاهرة، تتعلق بشخصية الفرد الشكلية، باتت في الآونة الأخيرة، مثار الدهشة في محيطنا الخليجي وخاصة في مجتمعنا السعودي بالذات، ظاهرة طفحت على السطح نأت بنفسها عن النقد، لا أدري ما السبب؟! إنها ظاهرة حلق الشباب لشواربهم، طبعاً لن أتناول الحكم الشرعي في هذه المسألة، لكونه أمرا جليا، فالرسول صلى الله عليه وسلم في معنى الحديث حث على حف الشوارب، ولكن التهاون في هذا التوجيه النبوي الصريح، سوغ للبعض وخاصة الشباب، سلوك هذا الاتجاه الغريب، الذي مصدره بالتأكيد التأثر بالغير نتيجة الإعجاب به، أو لسبب آخر من الأسباب التي سقطت علينا من عل، حلق الشوارب، بات ظاهرة تتزايد بين الشباب في هذا الوقت، خصوصاً في ظل فقدان التوجيه الأسري المؤثر وتأثير الإعلام الفضائي والجديد منه، وإنك لتتعجب من أناس تعرفهم بسيماهم، ركبوا الموضة وأتبعوها بحلق الشارب، تطرقت مع زملائي في العمل لهذه الظاهرة لكونها تؤرقني كثيراً، فوجدتهم يعانون منها مع أبنائهم، المشكلة أن غالبية الشباب يتأثرون بمن يعجبون به من الرياضيين والمذيعين ومن في فلكهم، الذين استمرأوا هذا الفعل، وطفقوا يتبارون فيه، انقلبت الموازين وتلونت المفاهيم، تجد البعض من الرياضيين والمذيعين والمحللين والكتاب، أشكالهم لا تخرج عن هذا المفهوم المقلوب، ولا أعتقد أن ثمة من يجهل عواقب مثل هذه التصرفات السلوكية في الشكل، أدركها أو لم يدركها، لا شك أنها تساهم في النظرة السلبية لصاحبها من عدة جوانب، أقل ما فيها أنها تحط من قيمة الرجل وتدخله في دائرة الميوعة! التي لا يرضاها لنفسه، وتجعل الشبهات تحوم حوله، وإن كان في الواقع هو بريء منها في الأصل، لكون أغلب الناس يدللون على الباطن بالظاهر، وإن كان هذا الحكأيضاً ليس على إطلاقه، والقاعدة الشرعية تقول (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) ظاهرة حلق الشارب بين شبابنا اليوم بطريقة أقل ما يقال فيها، أنها تقليد للأجنبي هو في الواقع تقليد أعمى لم نعهده من قبل، آخذ بالتنامي بشكل مخيف بالطبع له آثاره العكسية، لم نسمع ولم نقرأ لأساتذة علم الاجتماع ولا لعلمائنا ومشايخنا المعتبرين، أن تناولوا هذه الظاهرة وحذروا الشباب من الولوغ فيها تحت دواعي التجمل والتزين المزيف لا غير، إنه التشبه بالنساء، والشارع الحكيم، لعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال، ظاهرة السلوكيات الخاطئة، تؤرق المجتمع لخطورتها على المفهوم السليم لتنشئة الشباب، ولعل الحمل الثقيل يقع على عاتق بعض القطاعات ذات العلاقة، مثل وزارة التربية والتعليم من خلال (التوعية الإسلامية) في مراحل التعليم ووزارة الثقافة والإعلام من خلال تكثيف البرامج التوعوية والرئاسة العامة لرعاية الشباب من خلال توجيه اللاعبين والجماهير في الملاعب الرياضية، تفاعل هذه القطاعات المهمة لمواجهة هذه الظاهرة، من شأنه أن يحد من تناميها على الأقل، هذه القطاعات - في نظري - يجب أن تولي الشباب مزيدا من الرعاية والعناية، لكونها المستحوذة على آليات وأدوات التأثير المباشرة، أما أن يترك الحبل على الغارب، ويترك هؤلاء الشباب حراً طليقاً يتجاذبه الإعلام الفضائي الوافد بسلبياته غير الخافية، ينقل له عادات وتقاليد غربية غريبة على مجتمعنا المسلم، فتلك أم المهالك إن صح التعبير، لا، لا، بل لاءات كثيرة في وجه هذه التقليعات غير المقبولة، حتى ولو كانت تحت أية مبرر، حرصنا على شبابنا من الإنغماس في وحل هذه التقليعات، يجعلنا نخاف من تبعاتها عليهم وأسرهم، المفضية لخلق مجتمع لا يقدر للمسئولية قيمتها الحقيقية ويجره للميوعة وعدم الإحساس بالمسئولية، الشباب بهذه الهيئات والسلوكيات الخاطئة، لا يكون عماد للأمة في مواجهة التحديات المفروضة عليها، لنقل الحقيقة دون تخدير ولا مكابرة، لا غير، إنه التقليد الأعمى الذي يجب أن يتوقف بالإرادة والمراقبة الذاتية من قبل الشباب أنفسهم قبل كل شيء، وتبقى موضة حلق الشارب، إحدى تقليعات هذا العصر المتنامية.. ودمتم بخير. [email protected]