هذه الرحلة التي قام بها الحاج عبدالله فيلبي المولود في عام 1302ه من أسرة إنجليزية كان مولده في سيلان حيث كان يعمل والده بتجارة القهوة، وقد كانت أول زيارة له إلى الجزيرة العربية في عام 1336ه، وقام برحلته الشهيرة التي بدأها من ميناء جدة عبر عسير ونجران حتى الجنوب ثم توالت بعدها رحلاته وزياراته وتوطدت علاقته بالملك عبدالعزيز -رحمه الله- وقد ساعدت رحلاته الكثيرة على تكوين كم هائل من المعلومات الجغرافية والأثرية والتاريخية عن الجزيرة العربية، وقد أعلن إسلامه في عام 1350ه - 1930م. وكانت وفاته في بيروت في عام 1960م عن عمر يناهز الخامسة والسبعين، وألف عدداً من المؤلفات منها كتابه في قلب الجزيرة العربية وأيام في بلاد العرب، وقد فصل في هذا الكتاب تاريخ مجيئه إلى هذه البلاد سنة 1915م، واجتماعه بالملك عبدالعزيز -رحمه الله- كما صدر له كتاب «الربع الخالي» الذي قدم فيه وصفاً حياً. ولقد شرع في وصف رحلته إلى الحج، وذكر ما شاهده في طريقه قائلاً: بنهاية الأسبوع الثالث من إبريل 1931م، كانت قد وصلت آخر مجموعة من سفن الحج -من مصر والسودان، من المغرب وسوريا، من الهند والشرق الأقصى، لقد كان تجمعاً من عدد ضئيل مخيب للآمال، من 400.000 زائر من وراء البحار التقوا في مكة، ليتضاعف العدد في الأيام القليلة المقبلة مع قدوم حجاج جدد قادمين من نجد واليمن فضلاً عن الحجاج الحجازيين. لقد تراوح عدد حجاج الخارج خلال السنوات الخمس السابقة ما بين 80.000 و120.000 ويعزى الانخفاض في 1931م أساساً إلى الكساد الاقتصادي العالمي الذي وسم ذلك العام والأعوام التالية. ففي 1932م هبط العدد أكثر من ذي قبل إلى 30.000، وفي العام الذي تلاه إلى مجرد 20.000، وهذا يمثل منتهى الانخفاض، ذلك لأنه في 1934م ارتفع عدد القادمين من الخارج إلى 25.370 حاجاً ومنذ ذلك الحين استمر العدد في تحسن بطيء لكنه مطرد حتى أعادت الحرب الحالية عقارب الساعة إلى الوراء مرة أخرى، ففي العقد السابق للحرب ربما كان معدل حجاج الخارج الذين يزورون مكة كل عام نحو 35.000، وقيل هذه الفترة كان وفود الحجاج من الملايو والهند وحدها كثيراً ما يتجاوز 50.000 نفس في العام، وقد كان هذا العنصر بصفة خاصة هو الذي تقلص إلى نسب ضئيلة بسبب الهبوط في أسعار السلع التي ينتجونه - السكر والمطاط خاصة. ويسترسل وهو يقص رحلته قائلاً: لم تثبت رؤية هلال شهر ذي الحجة، وكان الناس ينتظرون في قلق شديد أخبار ثبوته عند القادمين من أماكن نائية في الصحراء والجبال، ولا يمكن تحديد اليوم الرئيس للاحتفال بالحج - الوقوف عند جبل الرحمة في سهل عرفات الواسع في اليوم التاسع من الشهر القمري ذي الحجة - في غياب مثل هذه المعلومة، ولم يبدد الشك إلا يوم الخميس، الثالث والعشرون من إبريل، اليوم الخامس من الشهر، بعد الشهادة الضرورية أمام الهيئات الدينية واعتمادها لها. لقد كان الهلال قد رُئِيَ فعلاً في المساء السابق للتاسع عشر من إبريل، لذا فإن اليوم التاسع من ذي الحجة سيقع في يوم الاثنين، السابع والعشرين، لذا فإنه بالإمكان إعداد العدة للخروج العظيم إلى منى وعرفات، والذين شاءوا التبكير إلى الموقع - والمتعة تحت النجوم حتى الوقوف العظيم - بدأوا التحرك خارجين من مكة بعد صلاة الجمعة. وفي تلك الأمسية نفسها بدأ الاحتفال الفعلي بالحج بحفل العشاء الملكي التقليدي في القصر الذي كان قد دعي إليه ما بين 600 و700 ضيف، ممثلون تقريباً لكل قطر ومجموعة تدين بعقيدة الإسلام. وبعد الفراغ من العشاء بالسرعة الشرقية المعروفة تجمع الجمع الغفير في قاعة الاستقبال الفسيحة بالقصر ليستمعوا بإلقاء الشعراء لقصائدهم الشعرية المناسبة لهذه المناسبة - شعراء الجزيرة العربية ومصر، وتلت الخطب الشعر - بالعربية والأوردية، بل وبالإنجليزية. ثم تكلم الملك عبدالعزيز الذي ليس في كل الجزيرة العربية الأرض التي لا تفتقر إلى الفصاحة، من خطيب أكثر منه تمرساً في الخطابة، أو أكثر تواضعاً وبساطة في الأسلوب، ولا أثقل وزناً وأشد تأثيراً في أسلوب خطابته. إنه لما يربو على ثلاثين سنة من مسؤولية متزايدة رفاهية مملكة تتسع باطراد، كان دائماً مدركاً للإمامة التي صنعها وضعه الفريد. لقد كان يرتجل الحديث دائماً، بلسان متكلم دائماً من كرسيه، كما يفعل العرب، وبلا حيل خطابية، أو إشارات باليد تقريباً: إنه يهيمن على مستمعيه بالتدرج بهم نحو الذروة بتقريرات منطقية مستندة دائماً على أقوال لعلماء ثقاة من السابقين، معروفين لسامعيه مثلما أنهم معروفون لديه. وهكذا باختصار شديد كانت خطبة الملك في ضيوفه عشية الحج بسيطة جداً في معالمها، مباشرة في مناشدتها، ثم أخذ في وصف خروج الحاج إلى المشاعر قائلاً: لقد شهد اليوم التالي خروج الحجاج، في ثياب بيض ورؤوس حاسرة، في غاية النشاط إلى عرفات. ويستمر في حديثه واصفاً الطريق إلى المشاعر المقدسة حيث يقول: لقد كان الطريق الواسع المخترق للمدينة شرقاً والمجاور لمقبرة المعلاة القديمة والقصر الملكي في المعابدة والمفضي للمسجد الحرام، طيلة اليوم مسرحاً لحركة لا تنتهي، وفي ازدياد دائم وقطارات الجمال حاملة الهوادج، أربعة أو خمساً في صف أفقي أحياناً، تسير حاملة أثقالها ببطء وتقدم إلى مقصدها، الذي يبعد نحو تسعة أو عشرة أميال، وبين صفوف هؤلاء المسافرين بهذه الكيفية كانت جماعات من الحجاج على الحمير تتخلل طريقها في خطوات أسرع، داخلة في هذا الخليط من الدهماء وخارجة. وبالرغم من ذلك فإن في الطريق العريض مكاناً كافياً للفيالق السائرة على أقدامها، كباراً وشباباً، رجالاً ونساء وأطفالاً، وبصفة عامة في فرق حاملة رايات متعددة الألوان لتكون مناطق تجمع للجماعات المختلفة، في الطريق وفي سهل عرفات أيضاً في آخر المطاف الذي بدأ يتحول إلى مدينة من الخيام، وقد أضفت هذه الرايات والمظلات لمسة من اللون البهيج على اللون البني والأبيض من كتل الأجسام والإحرامات التي كانت تسير وتكاد تكون بلا انقطاع في الطريق وهنا وهناك تأتي مجموعة ممن وصلوا حديثاً من جهة الشرق، حريصة على تأدية الشعيرة الخاصة من أول دخول لمكة. وكلما تقدم اليوم نحو المساء اكتظ الزحام، من الجمال، والحمير، والمشاة. ثم هبط ظلام الليل على مدينة لا تزال تفرغ المترددين عليها من الناس في سيل لا نهاية له. ثم يأخذ في الحديث مسترسلاً عن الخروج إلى منى وعرفات قائلاً: لقد كان مقرراً لي أن أركب مع الملك عبدالعزيز، ولكن، لعلة ما نتجت عن تأخر جملي، فإني قمت بالرحلة إلى منى في سيارة وزير المالية، وبذلك أتيحت لي فرصة رؤية الطريق الجديد المقرر لكل السيارات لإخلاء الطريق الرئيس للجمال والمشاة، ولم يزل الجمل النجدي نافراً من هدير السيارات بينما كان أخوه الحجازي قد وطّن نفسه عليها منذ فترة طويلة. إن طريق السيارات يتابع الوادي إلى الجنوب من منى، والذي فوقه العين الرائعة المبنية من الحجارة للسيدة زبيدة، على مستوى مرتفع من سفوح التلال على اليسار من الطريق الصاعد. إن منى التي كانت قرية مهجورة 350 يوماً من السنة القمرية، قد بعثت للحياة فجأة، وأصبح كل بيت من بيوتها غير الكثيرة مكتظاً بالحجاج الذين يدفعون إيجارات باهظة - تبلغ أحياناً نحو 30 أو 40 جنيهاً إسترلينياً للأيام القليلة، لقد تفتق واديها، الواقع بين تلالها السوداء المنخفضة، عن مدينة من الخيام، كما أن الطريق الوحيد المخترق للقرية ووسط الوادي، كان غاصاً بالمشاة والقوافل الماضية إلى عرفات، وتجولت في المعسكر والقرية - ولم يكن أمراً سهلاً للجماعات المتحركة من الناس والجمال. وكان القمر يضفي على المنظر سحراً. وفي مثل هذه المناسبة في الشرق ليس هناك ساعات معلومة للنوم. إن كثيرين ينامون فعلاً، بما في ذلك نفسي، ولكن نومنا لم يؤثر على ما تعودناه، فقد كنت أصحو في الثالثة صباحاً لصلاة الصبح في القاعة الكبرى للاستقبالات. وبما أن الوقت بعد الصلاة لا يزال مبكراً قبل شروق الشمس، وحين بدأ ضوء النهار يخترق ضباب الوادي من وراء التلال السوداء، بدأ إنهاض الجمال الباركة، وفي لحظة ثانية كنا جميعاً على سروجها، وتحركت مجموعة نحو أسفل الوادي، وسرعان ما انضمت القوافل الأخرى في موكب رهيب. لم يكن هناك أقل من 10.000 جمل ذلك الصباح، يوم الحج، وفي هدوء سار الموكب في الوادي كالسيل، والشمس ترتفع قليلاً حتى بلغت ذروتها مطلة من قمم التلال على ضباب من الغبار المعلق في الجو. وبمئذنة مزدلفة الوحيدة مررنا حتى دخلنا الوادي الضيق إلى بازان صهاريج المياه، حيث علقت عين زبيدة عبر الطريق، ثم جئنا إلى العمودين اللذين يحددان حرم مكة، ووراء هما تقع المنطقة المدنية، أو المحايدة، المسماة وادي عرنة، وفيها مسجد نمرة، وهو سور ابيض، بحيطانه دعامات، ولا مئذنة له. ففي هذا المكان المحايد الذي علمت حدوده البعيدة نحو سهل عرفات بأعمدة أخرى، أنخنا أسوة بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وانتظرنا حتى العصر. وكانت الخيام قد نصبت قبل وصولنا، وشرعنا في تناول إفطار خفيف لم نكن زاهدين فيه، وبعده أصبحت الغفوة، أو النوم إن أمكن الشيء الغالب. وأمامنا غير بعيد كان جبل الرحمة، أهم معالم سهل عرفات، واقفاً ظاهراً يعلوه عموده الأبيض الذي يحدد موضع مدينة الخيام التي قامت أثناء الليلة الفائتة لإيواء الحجاج، وحولنا من كل الجهات كان وادي عرنة بخيام متفرقة، بينما جماعات ضخمة من الحجاج، معظمهم أفارقة سود من أصقاع نائية، استقرت في مسجد نمرة وآباره الغنية. وبدأ النهار يحتر، مولداً حرارة في الظهيرة، ليبددها فيما بعد بنسمات خفيفة تمس في رقة أجسامنا ونحن مجتمعون في الظلال الكريمة للخيام، لقد كان الماء كثيراً، بل والثلج أيضاً، حيث فسح لنا الجمع الغفير المنتظر للصلاة طريقاً وصلنا به إلى مسجد نمرة وإلى أماكننا قرب المنبر والمحراب. كان قد ألقى الخطبة الشيخ عبدالله بن حسن، شيخ أئمة مكة الذي صعد درجات المنبر البسيط في شكله، وفي يده عصا، وانطلق يشرح ببعض التفصيل أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم عن الحج. ومن حين لآخركان المصلون يبكون أو يدمعون عندما يذكرون بحجة الوداع، وكان قريباً مني رجل هندي مسن، دخل في نوبة من التنهدات، وبدأ المرء يشعر بوحدة بينه وبين إخوانه المصلين، بنوع من الجلال لمناسبة قدر لها أن تحيي في نفوس الناس قصة وحي بلغ ذروته في هذه البقعة بعينها منذ قرون طويلة خلت لإكمال الدين الذي انتشر في الفترة الفاصلة بين المناسبتين إلى أماكن نائية خارج حدود الجزيرة العربية، ليكون نوراً يهدي ملايين وملايين في آسيا وإفريقيا، بل وأوروبا أيضاً. وفي الأماكن الأخرى من السهل الواسع التي انتهزت الفرصة لزيارتها في العصر، كان هناك جو أشبه بالاحتفال، فقد آثر بعض الناس البقاء في خيامهم على مواجهة أشعة الشمس الساقطة - إنها شديدة الحرارة في تلك الظروف بالرغم من هبوب نسمة باردة جافة خففت كثيراً من شدة التعب وإن كان ذلك في الفضاء، وكان الناس، الأفقر حالاً، قد جاءوا معهم بسعف النخيل، وغطوها بالأكياس الفارغة يستظلون بها. وفي آخر المطاف قللت الشمس من شدتها ببطء، وهي تميل نحو الغروب خلف جبل ثور، قبالة مكة، لقد مال قرص الشمس حتى اختفى وراء خط الجبال السود، فهدأ الدعاء في صمت محسوس، أعقبته حركة خفيفة. وما أن غربت الشمس، حتى بدأ الموكب العظيم في لحظة بالتحرك للعودة، وحسبما أذكر، فما من كاتب قادر على وصف النفرة من عرفات، وأدرت لحاظي في المنظر، كان منظر الجمال هو الذي راعني، ففي الوادي الفسيح كله الذي غدا في حركة مفاجئة نحو مكة، كانت صفوف الجمال وفيالقها هي التي استرعت انتباهي، لا بد وإن كان هنالك ما لا يقل عن 50.000 منها، كلها سائرا للأمام في خطوتها السريعة الصامتة التي تميزت بها وسيلة النقل الرئيسة في الجزيرة العربية. لقد كان منظراً طيباً حقاً، وما أن ازداد الغسق، وارتفع الغبار من حفيف الأخفاف حتى بدأت فيالقها تفقد واقعيتها وتتحرك بصمت وخفية، في الضوء الخافت المعلق الآتي من القمر فوقنا، ومعه المريخ والمشتري أمامنا، وفي ذيليهما منكب الجوزاء. وبالرغم من ضوء القمر لقد استحال علينا رؤية أي شيء بوضوح في ذلك الضباب المتحرك، وأجسام الرجال متشحة بالبياض قابعة على ركائبها العملاقة، وتجاوزنا أعشاباً قصيرة وأشجار السلم ذات الشوك. وحين ضاق الوادي بين التلال المسودة، مررنا بسرعة بالجمال حاملة الهوادج، ومجموعات من المشاة، ورجالاً ونساء. لقد كان مدهشاً جداً، ونحن لا نكاد نرى شيئاً أن تتحاشى الجمال بفطرتها كل العقبات التي في طريقها، بشرية كانت تلك أم غير ذلك، والتي سرعان ما خلفتها جحافلنا وراءها. لقد كانت همهمة الجمال في كل مكان، وكذلك نداءات الرجال لأصحابهم المفقودين - فرقة موسيقية متنافرة الأنغام. بالرغم من أن الساعة لم تكن قد تجاوزت السادسة صباحاً بقليل فإن الشارع الرئيس كان يفيض بالحجاج العائدين الذين لا بد أنهم قد حذفوا مرحلة مزدلفة وسافروا، على ظهور الجمال أو راجلين، طيلة الليل ليصلوا هنا في الوقت المناسب، لقد كان الحرم مزدحماً، والمسعى الذي يقاطعه الشارع الرئيس، كان مكتظاً بالناس الذين كانوا يعدون، أو يمشون يتدافعون ويدعون بهذه الطريقة أو بأخرى. ويفيض في الحديث عن عودته إلى الحرم قائلاً: بعد أن أنعشت نفسي واسترحت لمدة من الزمن عدت بالسيارة للحرم بعد السابعة صباحاً بقليل لأتم الطواف والسعي قبل ارتفاع الشمس ارتفاعاً تحرّ به الأشياء، واقتربت من باب إبراهيم، الباب الرئيس من الجانب الجنوبي للمسجد الحرام، ودخلت في مجموعة من المتسولين الذين كانوا يحلون في الدعاء لي بقبول حجتي، ومقابل ذلك يأخذون الفلوس القليلة التي أعطيتهم بلا سرور. وفي مكان آخر كانت حمامة من حمامات المسجد قد سقطت وبقيت بدمائها عند مدخل الباب، وهو منظر نادر، بينما كان الآلاف من أخواتها في سيرها اليومي الذي لا ينقطع من الحركة. وبادرني بالكلام أحد السوريين الذي كان موظفاً لدى نظام حيدر آباد، مستفسراً عن إمكانية الحصول على سفينة مبكرة إلى مصر، ثم شرع يشرح لي فكرته عن انقسام العالم إلى حزبين، ولمحت في بطاقته المطبوعة التي قدمها لي، معبراً عن رغبته الشديدة في مناقشة هذا الموضوع معي بالتفصيل. بعد ذلك أخذ في وصف المسجد الحرام والكعبة وشعائر الحج ومنظر الحجاج حتى نهاية الحج ويجوب بقلمه في ذلك الميدان مما يشوق القارئ لمتابعته ويقدمه في صورة بهية والعبرة بالكيف لا بالكم. وهكذا وصف في رحلته ما شاهده في رحلة الحج وصفاً حياً دقيقاً. ولقد صدرت له عدة مؤلفات تاريخية لعل من أهمها: «أرض مدين»، وسبق له وأن أقام في المملكة العربية السعودية مدة طويلة، واتصل بالملك عبدالعزيز، وقد أتاح له ذلك فرصة إشباع رغبته في الترحال، والاطلاع على كثير من المناطق والمواقع الأثرية في مختلف أنحاء المملكة، وقد أفادت رحلات فيلبي وكتاباته تاريخ وجغرافية بلادنا بشكل متميز، باعتبار أنه قدم من خلال ما كتبه وصفاً حياً لكثير من المواضع الجغرافية، والمواقع الأثرية، مما نتج عنه توثيق عدد كبير من مسميات المواضع في مختلف أرجاء الوطن. ومما يميز كتب فيلبي التي سبق أن صدرت بلغتها الأصلية قبل أكثر من سبعين عاماً أنها احتوت على معلومات تاريخية وجغرافية مهمة، وجرى ترجمتها إلى اللغة العربية نظراً لأهميتها التاريخية. كما تمتاز كتب فيلبي أيضاً بأنها تضم عدداً لا بأس به من الصور الشمسية (الفوتوغرافية) لبعض الأعلام والمدن والمعالم الجغرافية، وهذه الصورة لا شك أن لها دوراً إيجابياً يعين على تصور بعض المعالم الجغرافية إضافة إلى بعض الجوانب الحضارية التي كانت سائدة تلك الفترة. حيث غطت حقبة زمنية مهمة حيث كتب بأسلوبه السلس الرصين عن تاريخ المملكة، وجغرافيتها، وأعلامها، وآثارها، واقتصادها، وقد كان أثناء سياقه للأحداث العامة أو ذكرياته الخاصة لا يغيب عنه - كلما سنحت له الفرصة - إبداء إعجابه بشخصية الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وبجهاده في توحيد البلاد، ثم إعجابه بسياسته في الارتقاء ببلاده حتى صارت دولة حديثة تحظى بتقدير العالم. عضو جمعية التاريخ بجامعات دول مجلس التعاون باحث في أدب الرحلات