التقارير العالميَّة تحذِّر من أزمة غذاء قادمة. والأسواق تشهد ارتفاعًا ملحوظًا في الأسعار. وكثير من دول العالم تولي أهميَّة خاصة لبعض السلع الغذائيَّة وتمنحها الأولوية. وفي المملكة اهتمت الحكومة ببنود ثمانية، تمسكت باثنين هما القمح والأرز. وتركت البقية دون ضوابط تنظم العمل فيها من حيث الإنتاج والاستيراد والخزن والتصدير، وهي في ذات الوقت تعاني من شح في الموارد المائية، تستورد 90 في المئة من حاجاتها من الغذاء، و50 في المئة من الإنتاج العالمي للشعير، وتستهلك (3) ملايين طن من القمح سنويًّا مرشحة للزيادة. هذا غير واردات القطاع الخاص من الحبوب (أرز وذرة وفول وعدس ودقيق)، وغيرها من دجاج وأسماك وطيور (12) مليون رأس من المواشي الحي منها والمذبوح. وزارة الزراعة تقول: (نحتاج إلى عشرة أعوام لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الدواجن. وأن الأعلاف وراء ارتفاع الأسعار)؟ وأن تعلن إحدى الشركات المحليَّة عن استعدادها لبيع (حبة دجاج مستورد) بسعر الكلفة..؟ وأن إقدام شركة سعوديَّة بتقديم (50) مليون ريال دعمًا لشركة دواجن أجنبيَّة لإنقاذها من التعثر..؟ وهو ما يكفي لتأسيس عشرة مشروعات محليَّة للدواجن، وأن يتجه الخليجيون لأسواق جديدة بحثًا عن الدجاج، وأن يصل الأمر إلى الحديث عن العمل بالبطاقة التموينيَّة، وهو أمر سابق لأوانه ونرجو ألا نضطر لذلك لخطورة اللجوء إليه، حيث سيولّد أزمات قد تصرف إدارات حكوميَّة عن مهامها الأساسيَّة، وتوَّقف المملكة عن زراعة عدد من المحاصيل الزراعيَّة وفي مقدمتها القمح عام 2016م. هذه جميعها عوامل تشكّل تحدِّيًا خطيرًا يستوجب التوَّقف عندها وسرعة التحرك من أجلها..؟ هناك مشروعات وسلع وخدمات لا يمكن للدولة أن تقف عند تلقي طلبات المستثمرين وإصدار التراخيص بتأسيسها، بل يجب عليها المبادرة لتحديد احتياجاتها ومدى أهميتها من خلال إجراء دراسات وأبحاث تقنيَّة متطوِّرة تُؤدِّي لزيادة الإنتاج وتقلل التكاليف مع القيام بحملة إعلاميَّة للتعريف بها، والبحث عن مستثمرين لاطلاعهم عليها. وما ستمنحه الدَّوْلة من تسهيلات ودعم مادي ومعنوي، لتأسيس المزيد من المشروعات الجديدة محليًّا وخارجيًا. وإجراء التوسعات على المشروعات القائمة وتشجيع الاندماج فيما بينها. والتحوَّل بها إلى شركات مساهمة عامة برساميل ضخمة لنستطيع بها الوصول إلى مرحلة التصدير وليس الاكتفاء الذاتي. أين صندوقا الاستثمارات العامَّة والتنمية الزراعيَّة وأين مؤسستا التقاعد والتأمينات من الاستثمار في مشروعات إنتاجيَّة بدلاً من الأسهم والعقار. بل أين الصوامع ولماذا دورها يقتصر على الاستيراد والتخزين فالأولى أن تكون شريكًا منتجًا؟ المملكة لديها ما يزيد على تريليوني ريال مستثمرة أو مجمدة في شكل أسهم وسندات وودائع محليَّة وخارجيَّة. منها قرابة 7 في المئة من إجمالي الأصول الاحتياطيَّة ل(ساما) في الأوراق الماليَّة الأجنبيَّة، بأرباح متدنيَّة علاوة على مئات المليارات من فوائض الميزانيات للأعوام السابقة واللاحقة إن شاء الله. من الفائدة بل من الضرورة تشغيل نسبة منها لتلافي التعرض لمخاطر الشحن والتأمين. والتقلُّبات المناخيَّة. وتأزم العلاقات السياسيَّة والتوترات الأمنيَّة. واستخدامها كأداة للتصدي لظروف السوق السوداء. وكسر ما قد يحدث من احتكار لبعض السلع. نريد إعانات توجه لتشجيع الإنتاج والحد من الاستيراد وليس لدعم الاستمرار فيه. فهذه رغم عدم الاطمئنان لجودتها وصولها من مصدرها فإنّها تستنزف الموارد. المستفيد منها المصدر الأجنبي، ثمَّ إن قرضًا حسنًا لمشروعات ذات بعد إستراتيجي تعنى بغذاء المواطن وصحته. مشروعات الدواجن والأسماء والطيور جميعها لا تعتمد على موارد مائيَّة ولا مراعي أو أراضي ولا تمويل ضخم حيث يمكن إقامتها في أي مكان. ومع كونها مرحبة ماديًّا وأقل ضررًا صحيًا (لُحُوم بيضاء) فهي تشكّل عنصرًا مهمًا في تحقيق الأمن الغذائي: لماذا طموحنا يتوَّقف عند حدود الاكتفاء الذاتي. ولم لا نخطط لمرحلة تصدير بعض السلع لدول العالم. منذ متى ونحن نستورد الدجاج من فرنسا والبرازيل في أقصى الدُّنْيَا والأسماك من الفلبين والهند وحتى فيتنام حديثًا رغم المحاذير عنها. لعل البعض يتذكّر ما أصاب السوق المحليَّة من حمى شرائية إبان حرب الأيام الستة 67 المسمى (عام النكسة أو النكبة) حين تعرَّضت قناة السويس للإغلاق، ما حدا ببعض الأسر إلى الإسراف في شراء كميات من السلع الاستهلاكيَّة. ما أدى إلى الخزن المفرط تخوفًا وتحوطًا. ولجوء بعض التجار إلى الاحتكار وظهور السوق السوداء. حينها تدخلت الدَّوْلة للعمل بالسياسة التموينية والتوزيع المباشر لبعض السلع كالأرز والسكر والدقيق عبر لجنة حكوميَّة رئيسة ولجان فرعيَّة على مستوى المملكة أشغَّلت بعض الإدارات الحكوميَّة. وفي الخمسينات والستينات الميلاديَّة مع ظهور ثورات التحرر من المستعمر. وبروز الشعارات القوميَّة والحزبيَّة أدَّت إلى تعرض بعض الدول والشعوب للضرر. نتيجة سياسة المنع. بل الحظر والحصار أحيانًا لسلعتين ضروريتين إِنسانيتين هما القمح والدواء. القطاع الخاص قادر بإذن الله على تلبية متطلبات السوق المحليَّة فيما لو حصل على دعم مادي ومعنوي لإنتاج بعض السلع محليًّا وأخرى خارجيًا. فلدينا شركات وطنيَّة عدة تعمل في مجال الغذاء والأعلاف والثروة الحيوانيَّة والسمكيَّة إنتاجًا وتسويقًا وتصديرًا بخبراتها الناجحة كالوطنيَّة. صافولا، أراسكو، استرا، المراعي، نادك، الصافي، أنعام، الأسماك، الغذائيَّة، حلواني وغيرها الكثير. لماذا لا تدعى هذه الشركات إلى اجتماع موسع لتدارس إمكانيَّة القيام بتأسيس مشروعات ضخمة داخل المملكة بشراء أو استئجار مساحات مناسبة للأغراض الزراعيَّة والثروة الحيوانيَّة أو في أي من الدول المستهدفة. وبعقود استثماريَّة طويلة الأجل، تصل إلى مائة عام تملكًا أو استئجارًا أو مشاركة مع حكوماتها وشركاتها المحليَّة، وربطها باتفاقيات ثنائيَّة موثقة من طرف ثالث ومعتمدة من هيئات ومنظمات دوليَّة متخصصة، كالمنظمة الدوليَّة لضمان الاستثمار، ومثلها الإسلاميَّة والعربيَّة، البنك الإسلامي للتنميَّة، ومنظمة الأغذيَّة والزراعة (الفاو). العمل على تفعيل مبدأ التعاون والتكامل بين دول مجلس التعاون من خلال تشكيل (فريق عمل تفاوض موحد) يعنى بتنظيم عملية الإنتاج والاستيراد وتأسيس مشروعات مشتركة في الداخل والخارج والتنسيق فيما بينها للحد من الازدواجيَّة والتنافس الضار بالمنتج المحلي لتوفير مصادر آمنة للإمدادات الغذائيَّة لخمسة أعوام أو تزيد كخطوة على طريق الاتحاد بما يبعث الاطمئنان لدى المستهلك والمسؤول عن القرار الاقتصادي حول الغذاء بأنواعه. إذ كيف يكون التعاون والتكامل؟ بل كيف يتحقق الاتحاد مع إقدام دولة عضو على إيقاف التصدير لسلع لدول أخرى هي عضو بالمجلس. فهذا الإجراء كما يقلل من فاعلية الاتفاقية الاقتصاديَّة الموحدة الهادفة للتكامل. فإنَّه يتعارض مع ما دعا إليه خادم الحرمين من (الانتقال بالمجلس من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد). وحتى لا تكون الأجيال القادمة عرضة للأزمات وعبئًا على غيرها لا قدر الله فإنَّ من الأَهمِّيّة دعوة عدد من الشخصيات الوطنيَّة المرموقة، ذات الموثوقية والخبرة الاستثماريّة مثل الراجحي، فقيه، العمودي، كامل، الزامل، المطرودي، الشربتلي، جميل، المهيدب، كانو، المنجم، زيني، التركي، الراشد، وغيرهم من المستثمرين ومديري الشركات الوطنيَّة الناجحة، للاجتماع بهم والاستئناس برأيهم في هذا الشأن، بما لهم من خبرة جيدة، (أهل مكة أدرى بشعابها) والتعرف على استعدادهم، ومن ثمَّ تكثيف فريق منهم بزيارة بعض الدول، ومقابلة المسؤولين فيها، للتباحث والتواصل إلى أنسب المواقع والسلع، لإقامة عدد من المشروعات الزراعيَّة والحيوانيَّة في تلك الدول، ووضع عشرات المليارات تحت تصرفهم لتأسيس مشروعات ذات بعد إستراتيجي، محليًّا وخارجيًّا كذراع تنموي في مجال الأمن الغذائي لإنتاج القمح، الذرة الأرز، السكر، الأعلاف، وحتى الخضار والفواكه وغيرها مثل الشاي، القهوة، الهيل، باعتبارها سلعًا مطلوبة عالميًا، بالتعاون مع بعض الدول الشقيقة والصديقة في مختلف القارات، تلك التي يشكِّل التمويل الماديُّ لها ميزة نسبيَّة وعنصرًا مهمًا، وتتمُّتع بثروة مائيَّة وأرض ذات قابليَّة، فمثلاً دولاً كالهند، باكستان، جورجيا، السودان، تشيلي، البرازيلي، الأرجنتين، جنوب إفريقيا، أوكرانيا، أستراليا، موريتانيا، الصومال، ورومانيا، كينيا، إثيوبيا. وبالتالي تستطيع المملكة أن تطمئن على تأمين احتياجاتها، ومعه يتحقق صحيًّا سلامة ما تحصل عليه من سلع غذائيَّة، وإمداد غيرها من الدول الشقيقة والصديقة وكذا بعض المنظمات الإنسانيَّة، التي عادة ما تقوم المملكة بشراء بعض السلع من الأسواق الأجنبيَّة، وتقديمها في شكل مساعدات إغاثيَّة، إضافة إلى بيع جزء من فائض الإنتاج في السوق العالميَّة، لتغطيَّة التكاليف واستعادة رأس المال، وتدويره للاستثمار من جديد في تلك المحاصيل، وتلك الدول مع إمكانيَّة الاستفادة من المساعدات الواقعة في الساحل الغربي للمملكة بطول (2600) كم، حيث تمتع بقابلية إنتاج بعض المحاصيل كالحبوب والخضار والفواكه الساحليَّة بطريقة اقتصاديَّة والأسماك كمشروعي (الليث وجازان)، هذه أفضل من الإعانات التي تقدمها الدَّوْلة والإعفاءات التي تمنحها لاستيراد القمح والدقيق والزيوت والأعلاف، وحليب الأطفال وغيرها من السلع التي عادة ما يشوبها نوع من التحايل والمبالغة في التكاليف والتلاعب في التسويق والتوزيع. وفي الختام لا بد من سؤال ماذا عن عدد المبادرات والإستراتيجيات الوطنيَّة ذات العلاقة بالغذاء، المياه، البيئة، وماذا أنجزنا منها؟ وما هي الجهة المعنيَّة ب(الخزن الإستراتيجي) في عمومه، ورسم سياسته وعلى رأسه الغذاء يهتم بتوفير عدد من السلع استثمارًا محليًّا وخارجيًا، إنتاجًا واستيرادًا وتسويقًا، الخزن بأنواعه وطاقته، وانسيابيَّة وصوله إلى الحدّ من دعم المستورد وتحويله إلى التوسع في دعم الإنتاج المحلي، لتلافي التعرض لمخاطر الشحن والتأمين والتقلُّبات المناخيَّة والتوترات الأمنيَّة وتأزم العلاقات السياسيَّة، التي تشهدها الساحة الإقليميَّة والدوليَّة وتأثيرها على الأسواق المحيطة بها التي تتطلب التصدي لما قد يحدث من نقص واحتكار لبعض السلع، وظروف السوق السوداء مع ضرورة الحاجة إلى حملة مكثفة للتوعيَّة والترشيد والاستهلاك، والحد من مظاهر الإسراف الضارة بالبيئة والمجتمع المستنزفة لدخل المواطن واقتصاد الوطن.. والله الموفق. [email protected] أمين عام غرفة ينبع