الروائي الجزائري «واسيني الأعرج» أحد أبرز الأصوات الروائية في العالم العربي، وهو يشغل حالياً موقع أستاذ كرسي الأدب في جامعتي الجزائر المركزية والسوربون في باريس، وقد أصدر أكثر من عشرين عملاً روائياً منها: البوابة الحمراء، طوق الياسمين، مصرع أحلام مريم الوديعة، سيدة المقام، ذاكرة الماء، كما أصدر حديثاً روايته «أصابع لوليتا». يسعى الأعرج في رواياته إلى ترسيخ قيمة جوهرية مشغولة بالإنسان، كما يسلط في كتاباته الضوء على خطابات القمع في العالم العربي.. «الجزيرة» أجرت هذا الحوار مع «واسيني الأعرج» أثناء زيارته الأخيرة للقاهرة. * «أصابع لوليتا» عنوان روايتك الأخيرة هل هناك علاقة ما بينها وبين رواية الروائي الروسي «نابوكوف» «صاحب الرواية الشهيرة» لوليتا»؟ - الأصابع عادة هي مركز الحساسية البشرية، كما يقول الصينيون، وهي تجسد الإرادة الإنسانية، وهذا ما ينعكس على الأحداث في الرواية، لكن الأصابع الرقيقة مهيأة لتفجر قنبلة تغتال الكاتب يونس مارينا بطل الرواية.. البطلة عندي تختلف عن «لوليتا» بطلة رواية الكاتب الروسي نابوكوف التي صدرت في الأربعينيات من القرن الماضي، فهي لدي امرأة ناضجة، والعنوان في نهاية المطاف له جاذبية اختزالية تسحب القارئ لقراءة النص. * لماذا اعتمدت على التقنية البوليسية في الرواية؟ - بالفعل الرواية بوليسية نسبياً، لأنه بالموازاة مع قصة «لوليتا» تنشأ قصة جانبية، وهي قصة الشرطة التي تبحث عن فرقة انتحارية دخلت إلى باريس لقتل فنان وكاتب، وهذا البحث لا تهمني نتيجته، لكنه يتقاطع مع مسار علاقة لوليتا بالكاتب يونس مارينا، وتنتهي الرواية إلى كشف السر، وندرك أن لوليتا كانت مكلفة باغتيال كاتب، أي أنها شخصية انتحارية، وفي اللحظة الحاسمة تستيقظ فيها نزعتها الإنسانية، وترفض أن ترتكب الجريمة، لأنها أدركت عن خبرة ذاتية مدى إنسانية هذا الرجل، فلا يوجد شر مطلق، لأن لوليتا المبرمجة للموت تموت في الشارع بعد انفجار الحزام الناسف الذي تحمله وينجو الكاتب يونس مارينا من الموت المحقق.. لكن التساؤل المطروح: هل يسلم من المؤسسة السلطوية التي تطارده منذ انقلاب عام 1965 ضد الرئيس «بن بيلا» والرواية لا تجيب عن هذا التساؤل لكنها تتركه معلقاً وتمنح القارئ فرصة للقراءات المحتملة. * كتابك «الأمير» ذو صبغة تاريخية كيف وفقت بين التاريخي والآني في الكتاب؟ - أجبت في كتاب «الأمير» عن سؤال مركزي بالنسبة لي وهو كيف نستطيع أن نرفض مقولات «صمويل هنتنجتون» صاحب كتاب «صدام الحضارات» بدون أن نسقط في اليقين المطلق بأننا محقون والآخر على خطأ، لهذا أنشأت داخل هذه الرواية حواراً موسعاً بين المسيحية والإسلام. * ما العلاقة بين الذاكرة والكتابة؟ - أي كاتب يعتمد على نوعين من الذاكرة، الأولى الذاكرة التي تحرك كل مساراته الحياتية وخيباته وانكساراته وانتصاراته وعلاقاته مع الناس، وهذه الذاكرة تنصهر في ذاكرة أخرى أكبر هي الذاكرة الجمعية، وقد استدعيت الذاكرتين إلى النص الروائي عندما كتبت «أصابع لوليتا»، كنت أفكر في هذه الذاكرة الفردية، التي كانت على تماس مع الذاكرة الجمعية، وهو ما أثار أسئلة وجودية عدة. * لماذا لم يطل الربيع العربي الجزائر؟ - كشفت هذه الثورات هشاشة الأنظمة في مصر وتونس، وأخشى أن تكون هذه الثورات مرتبطة بأجندات خارجية، وأتمنى أن تصل هذه الثورات إلى أهدافها التي انطلقت من أجلها. والجزائر كانت سباقة إلى هذا الربيع، لكن التوقيت كان مختلفاً حيث خرج الشعب الجزائري إلى الشارع عام 1988 للمطالبة بإصلاحات ديمقراطية وقع خلالها ضحايا كثر، وتحققت مكاسب كثيرة منها حرية الصحافة وحرية تشكيل الأحزاب، لكن النظام غيَّر جلده.. وعندما جرت الانتخابات التشريعية اختار الناس الأحزاب القديمة، ليس حباً فيها، لكن رغبة في الاستقرار، بعد أن شاهدوا تفكك مفاصل ليبيا، ولم يحدث ما كان منتظراً، وكان النظام ذكياً لأنه ليس بعيداً عن الرياح التي تهب من كل الجهات، ولا تعرف نتائجها.