شهد سوق عكاظ في دورته هذا العام ندوة هامة نظمتها جامعة الطائف، بل لا أكون مبالغاً إن قلت إنها من أهم ما طُرح من قضايا في الساحة، لأنها تناولت بصوت عال السؤال العريض المتجدد «ماذا يريد منا الشباب وماذا نريد منه؟» ولعلّ الشق الثاني وهو «ماذا نريد من الشباب» حدد بوصلته بوضوح صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكةالمكرمة رئيس اللجنة الإشرافية العليا للسوق، عندما خاطب الشباب قائلاً «باسم أجدادكم وآبائكم.. لا نريد منكم شيئاً لنا.. نحن نريد كل شيء لكم أنتم أيها الشباب.. نريد المستقبل وأنتم المستقبل.. نريد التطور وأنتم التطور.. نريد النهضة والقيادة العالمية وأنتم من ستكون القيادة العالمية بأيديكم». هذا ما حدده سموه بدقة، وما أكثر ما تناوله أميرنا الجليل عن الشباب وحديثه الدائم إليهم ومعهم وعنهم، وما أكثر ما استمع إليهم في مناسبات ولقاءات عدة، ليقينه أنّ الشباب هم المستقبل، وهم من يمسك بمفاتيح البناء للغد نحو العالم الأول الذي يراه سموه قريباً منا وقريبون منه بخطوات، لو حرصنا على الاستثمار الجاد لكل ما يشهده بلدنا من تطور تنموي وبناء للشباب، خاصة وأنهم يمثلون أكثر من 60% من مجتمعنا. هنا نعود للنصف الأول من السؤال موضوع الندوة «ماذا نريد من الشباب» وقد شارك فيها سمو رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، وسمو الرئيس العام لرعاية الشباب الأمير نواف بن فيصل، ومعالي وزير التعليم العالي الدكتور خالد العنقري، ومعالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز خوجة، ونائب وزير التربية والتعليم الدكتور خالد السبتي. ومن الشباب شارك أكثر من ألفي شاب وشابة. فقد جاءت الإجابة واضحة من فكر ورؤية خالد الفيصل المفكر المهموم دائماً بدور الشباب وقيمة الفكر في صياغة مستقبل الوطن والأمة، إجابة منصفة لشبابنا مؤكدة الثقة بهم وبوعيهم تجاه استحقاقات الوطن قائلاً: «آباؤكم وأجدادكم قدموا لكم منجزاتهم وهي دولة عصرية، هي الآن بين أيديكم فما أنتم فاعلون؟». إنّ هذا الحديث والرؤية لسمو الأمير خالد الفيصل يعبّر بدقة عن واقع الرؤية التنموية التي تنتهجها الدولة في استشراف المستقبل، وتعد له العدّة للشباب علماً وعملاً وقيماً وإبداعاً في كافة المجالات، وهذا لا يمنع من أنّ للشباب متطلّباتهم وصوتهم وعتابهم حرصاً منهم على تفعيل دورهم تجاه الوطن. وهنا يأتي الشق الثاني:ماذا يريد منا الشباب»، فلقد شهدت الندوة من الآراء والنقاشات والمحاضرات والتساؤلات ما يضع النقاط فوق الحروف، خاصة مع أطروحات الشباب التي أثنى عليها الأمير خالد الفيصل والحضور من كبار المسؤولين، بأنّ طرحهم عقلاني ويؤكد ما يتمتعون به من وعي. أتصوّر أنّ على المجتمع دوراً هاماً لتعزيز هذا الوعي من خلال رسالة التعليم والإعلام والأسرة وخاصة مبدأ الحوار، لتقوية مداميك البناء المجتمعي من العمل الهادف، وترسيخ القيم الأخلاقية النابعة من تعاليم ديننا الحنيف، واستثمار الوقت في أهداف متعاظمة، وتقوية اللحمة الوطنية والاجتماعية والتفاعل مع الشباب، فالحوار فضيلة دينية وحاجة أسرية ومجتمعية ملحّة في هذا العصر، وهو أيضاً قاعدة لبناء الثقة وترسيخ الشفافية وتعظيم الأفكار الإيجابية، وتصويب الأخطاء أو الانحراف فكراً بفكر ورأياً برأي، وتغذية الضمير والوجدان الوطني بالمنعة. إنّ شبابنا وهو يحصد ثمار الخير التنموي في كافة المجالات، يدرك تمام مكانة وطنه ويعظم ولاءه وحبه ووفاءه للقيادة الرشيدة، مثلما يدرك تماماً دوره ومسؤوليته في الحفاظ على بهاء هذا الوطن ومكانته الإسلامية بين أمته ودوره الإنساني والحضاري والاقتصادي في العالم، وهو مستهدف في رسالته ولحمته واستقراره وسط عالم يموج بالصراعات ومحيط قريب يموج بالاضطرابات والأخطار. وقد أكد شبابنا بل كل مواطن أنّ هذا الوطن يعيش فينا وليس وطناً نعيش فيه، وبالتالي فإنّ الدور الحقيقي العطاء لهذا الوطن والتواصل مع الشباب، وفي نفس الوقت كما قال سمو الأمير سلطان بن سلمان، الخروج من مواقع التواصل الافتراضية إلى مواقع التواصل الوطنية التي خرج منها مشروعنا السياسي الوحدوي الوطني هو أجدى عطاء لمستقبل هذا الوطن. ولا يفوتني في هذه المناسبة أن أشيد بالاهتمام الكبير والإنجاز العظيم لهذا السوق العكاظي التاريخي، وأن أشيد بجهود ومتابعة معالي الأستاذ فهد بن عبد العزيز بن معمر محافظ الطائف الذي يعمل بشكل دائم بإخلاص وتفان من أجل المصيف الجميل.