الكل يبحث عن الأسواق غير المطروقة للصيرفة الإسلامية في ظل ما يُعرف الآن بالربيع العربي. وحدها عمان التي أخذت موضوع صيرفتها الإسلامية بشكل جاد؛ الأمر الذي انعكس على إطلاق مصرفَيْن إسلاميَّيْن جديدين؛ حيث منحت عمان رخص مزاولة المصرفية الإسلامية لمصرفَيْن العام الماضي، هما العز الدولي وبنك نزوى، مغيرة موقفها السابق الذي جعلها البلد الخليجي الوحيد الذي يخلو من بنوك تقدم المنتجات والخدمات الإسلامية بشكل حصري. في الأشهر القليلة الماضية كانت عمان - ولا تزال - الوجهة المفضلة للباحثين عن العمل من المصرفيين الإسلاميين، ولاسيما من باكستان. حتى بيوت الاستشارات العالمية لا تنفك في المشاركة في اجتماعات الجهات التنظيمية التي تُعنى بوضع معايير وأنظمة عمل الصيرفة الإسلامية؛ فما إن تعلن الدولة الخليجية الحديثة مؤتمراً عن الصرافة الإسلامية إلا وتراهم يتقاطرون على مسقط من أجل حضور هذه المناسبات المالية. ويجري حالياً إعداد إطار تنظيمي للتمويل الإسلامي في سلطنة عمان؛ حيث تسعى هيئات حكومية للوفاء بهدف السلطنة المعلن بتوفير المنتجات المتوافقة مع الشريعة للجمهور هذا العام. لكن تحديات لوجستية وصغر حجم السوق قد يمنعان الشركات الوافدة إلى الصناعة من إدراك الربح السريع. وقالت مصادر بالهيئة العامة لسوق المال العمانية لرويترز إنه من المتوقع الانتهاء من سَن تشريعات لصناعة التأمين التكافلي (النسخة الإسلامية من التأمين التقليدي) والسندات الإسلامية (الصكوك) بنهاية الربع الثالث من العام الجاري. وذكر أحمد الهرفي المسؤول عن فريق التأمين التكافلي بالهيئة العامة لسوق المال أنه سيتم إصدار أول رخصة تأمين تكافلي في السلطنة بعد ذلك بقليل، وأن الهيئة تلقت ثلاثة طلبات للحصول على رخص. وقال محمد العبري المسؤول بالهيئة إن هذا يكمل جهود المركزي العماني الهادفة إلى إصدار قانون للإشراف على المصارف الإسلامية، وإن القانون أصبح في مراحل المراجعة النهائية. تغيير القناعة وغيّرت عمان قناعتها بضرورة أن تكون الصناعة المصرفية تقليدية بحتة، وأعلنت العام الماضي أنها ستوفر منتجات التمويل الإسلامي على أراضيها لأسباب، منها الحيلولة دون خروج رؤوس الأموال إلى المؤسسات المتوافقة مع الشريعة في بقية بلاد الخليج. لكن وضع الإطار التنظيمي قد لا يؤدي إلى حركة سريعة للنشاط؛ فكثير من المؤسسات لا تزال تكافح للحصول على خبرة إطلاق المنتجات، وتعكف على ترتيب المسائل المتعلقة بإشراف الهيئات الشرعية وتدريب فِرق العمل وإعداد أنظمة الكمبيوتر. وقال عزمت رفيق رئيس المصرفية الإسلامية في بنك عمان العربي لرويترز «هناك تباين في التوقعات.. على أرض الواقع لم يتم الانتهاء من شيء.. البنوك لا تزال تجمع فرق العمل والأنظمة». وستكون هناك منافسة شرسة بين البنوك؛ فقد حصل بنك نزوى على رخصة مزاولة الأعمال المصرفية العام الماضي، ومعه بنك العز الدولي، وهو مؤسسة إسلامية جديدة أخرى، وهذا يزيد عدد البنوك المحلية إلى تسعة بنوك. وحسب بيانات المركزي العماني سيكون لدى السلطنة 19 بنكاً تجارياً، بينما عدد السكان نحو 2.8 مليون نسمة، ويستحوذ أكبر ثلاثة بنوك على نحو 60 في المئة من إجمالي الأصول المصرفية. ويذكي المنافسة أن البنوك التقليدية سيُسمح لها بتشغيل نوافذ إسلامية عبر شبكات فروعها الحالية. وقال بنك مسقط صاحب أكبر شبكة فروع في عمان، بواقع 130 فرعاً، إنه يرغب في تقديم منتجات إسلامية. وسبقه إلى هذا الإعلان بنكا صحار والوطني العماني. وقال رفيق إن عشرة في المئة من عملاء البنوك الحاليين في عمان سيتحولون إلى المصارف الإسلامية، وإن الأخيرة قد تجذب عدداً مشابهاً من العملاء المحتملين الذين يبقون خارج الجهاز المصرفي بسبب قناعاتهم الدينية بضرورة تجنب الفائدة. وفي يونيو/ حزيران جمع بنك نزوى أول مصرف إسلامي في السلطنة 60 مليون ريال من طرح عام أولي بالنسبة نفسها، جذب طلبات اكتتاب تجاوزت المعروض بواقع 11 مرة. وذكر الهرفي أن قانون التأمين التكافلي لن يسمح للشركات بتشغيل نوافذ تأمين إسلامية، لكنه سيطلب تشغيل عمليات مستقلة برأسمال مدفوع قدره عشرة ملايين ريال. ويرى شيام زنكر المدير الإقليمي لشركة ميدجلف اليانز تكافل، ومقرها البحرين، أن هذا المطلب المتصل برأس المال سيكون صعباً في قطاع يحتاج إلى بناء القدرات. وقال الهرفي إن شركات التأمين التكافلي يتعين عليها إدراج أسهمها بالبورصة العمانية خلال خمسة أعوام من الانطلاق. وأضاف بأن هذا المطلب قد ينال من حماسة واحدة من الشركات الساعية للحصول على رخصة على الأقل. وذكر مسؤول تنفيذي بإحدى شركات التأمين، مقيم في الخليج، طلب عدم ذكر اسمه، أن شركتين بدأتا في توظيف مسؤولين بمناصب قيادية استعداداً لدخول سوق التأمين التكافلي في السلطنة. الرقابة الشرعة وعلى مستوى مراقبة معايير المنتجات المالية الإسلامية تتجه عمان نحو تأسيس نموذج لا مركزي كما هو سائد بمنطقة الخليج خلافاً للنموذج المركزي في ماليزيا. وقد يسهل النموذج اللامركزي إمكانية نمو الصناعة سريعاً عبر السماح بعدد كبير من المنتجات، لكنه قد يقلص اهتمام المواطنين بالتمويل الإسلامي بسبب عدم وجود هيئة شرعية موحدة ذات قبول واسع النطاق للإشراف على الصناعة. وقال الهرفي إن الهيئة العامة لسوق المال التي انضمت لعضوية مجلس الخدمات المالية الإسلامية، ومقره ماليزيا، في مارس/ آذار الماضي، درست إنشاء هيئة مركزية موحدة للإشراف الشرعي، لكنها لم تعتمد هذا الخيار. وأرسل المركزي العماني بياناً إلى البنوك طالبها بتشكيل هيئات شرعية داخل كل بنك على حدة. وأشار رفيق إلى أنه سيتم الاسترشاد بمعايير هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، إحدى الهيئات الناظمة للصناعة، ومقرها البحرين، لكنها لن تكون إلزامية.