محال الأثاث السويدية الشهيرة (إيكيا) أصبحت في الصحف الأوروبية هذه الأيام محل جدل ونقاش حول إعلاناتها في المملكة؛ فقد تم إلغاء صور النساء من الكتالوق الخاص بمنتجات الشركة، وتم استبدال الرجال بهن؛ ما أثار غضب الأوروبيين على هذه الشركة المنتشرة في أغلب دول العالم، وتعرضت الشركة إلى هجوم حاد من قِبل جماعات حقوقية، تُعنى بحقوق المرأة، واعتبروا أن مثل هذا التصرف فيه تمييز ضد المرأة وضرباً بقيم المجتمع السويدي عن المرأة والرجل عرض الحائط، وهذا لا يليق بشركة أوروبية تحترم نفسها، كما صرحت وزيرة التجارة السويدية ايوا بيورلينغ في نبرة غاضبة بأن ما قامت به إيكيا من تغييب المرأة شيء غير معقول، وأن هذا الإجراء يوضح انعدام المساواة بين الرجل والمرأة؛ فاضطرت الشركة السويدية إلى أن تقدم اعتذارها عن هذا التصرف محمِّلة المسؤولية لفرع الشركة في المملكة، الذي قام بإلغاء صور النساء من الكتالوق واستبدال صور الرجال بهن. لا أعتقد أن تصرف الشركة - مع ما لها مع سمعة طيبة في المملكة - مقبول إلا من قلة قليلة متشددة، تعتبر أن صورة المرأة بغض النظر عن ملبسها مدعاة لإثارة (شهوة) الرجل؛ فالذي يُمنع في المملكة ليس صور المرأة المحتشمة وإنما صورة المرأة المتعرية؛ فالصحف والمجلات وكذلك الإعلانات فيها تمتلئ بصور المرأة المحتشمة، ولم تُصادَر ولم تُمنع، فكيف بصور لامرأة في كتالوق، ظهرت فيها المرأة تعتني بطفلها، كالصورة التي تم إلغاؤها من الكتالوق؟ إن هناك في المملكة، خاصة من الأجانب، مجموعة إما أنها لا تفهم المجتمع السعودي فهماً عميقاً؛ فتفترض قضايا وتتصور محاذير لا علاقة لها بالواقع، أو أنها تحاول أن ترضخ لضغوطات المتشددين فتساير مطالبهم غير عابئة بالصورة النمطية للمجتمع السعودي في الخارج؛ فيظهر مجتمعنا وكأنه مجتمع (طالباني) لا يرى المرأة، أي امرأة، إلا أنها مثار لشهوة للرجل الذي هو في أعرافهم كتلة من الشبق الجنسي تمشي على قدميها. ومن يعش في المملكة يعرف أن ذلك تصور خاطئ، ولا علاقة له بالمجتمع السعودي الوسطي. صحيح أن المجتمع السعودي محافظ، ويرفض تعري المرأة والرجل كذلك، أما أن يصل إلى مستوى (إلغاء) صورة المرأة بتاتاً، ويحظرها حظراً كاملاً، فهذا افتراض لا يمت للمجتمع السعودي بصلة. وكنت قبل فترة أناقش أحد الصحفيين الأجانب، الذي بادرني بسؤال عن سلطة الفتوى في المملكة، وهل هي تحل محل القوانين، ومن الذي له حق إصدارها لتكون ملزمة؟.. قلت: الفتوى أي فتوى، وأياً كان مصدرها، هي مجرد رأي فقهي حيال قضية معينة. وتنقسم إلى قسمين: خاص وعام. الخاص المتعلق بالقضايا الشخصية، وهذه متروكة للفرد لأن يذهب إلى الفقيه الذي يجده الأفضل ليستفتيه، ويعمل بفتواه منفرداً، وليس له الحق في أن يفرض هذه الفتوى أو تلك على غيره.. أما الفتوى الاجتماعية (العامة) فلا يمكن أن يكون لها صفة الإلزام على أفراد المجتمع إلا إذا صدر فيها نظام أو قانون يتبناها من الجهة (الحكومية) المخولة بإصدار الأنظمة والقوانين. وضربت له مثالاً بالصور الفوتوغرافية، سواء للذكور أو الإناث، وقلت: هناك (فتاوى) صدرت من فقهاء رسميين متشددين تُحرم التصوير الفوتوغرافي، ورغم ذلك بقيت بعيدة عن الواقع، لا تجدها إلا في الكتب التي تجمع فتاوى هؤلاء الفقهاء ليس إلا. وأجد موضوع (إيكيا) مناسبة لأعيد ذلك؛ فوجود (فتوى) من فقيه، حتى وإن كان فقيهاً رسمياً، لا يعني إطلاقاً أن رأيه ملزم ما لم يصدر برأيه الفقهي نظام حكومي، أما ما دون ذلك فلا أحد يستطيع أن يُلزم أحداً بفتوى هذا الفقيه أو ذاك في شأن من الشؤون الاجتماعية، وهذا - على ما يبدو - ما خفي على وكلاء (إيكيا) بالمملكة فجاء اجتهادهم في غير محله. إلى اللقاء.