قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}، فلا أحد يستطيع أن يجعل نظاماً يصلح لهذا الإنسان غير موجده الخبير به، فالصانع أعلم بصنعته، وصدق سبحانه: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}، فقد رضي -سبحانه وتعالى- الإسلام دينا لهذا الإنسان، كما قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسلام دِينًا}، وما ذلك إلا لأنه الدين الصالح لهذا الإنسان في كل مكان وزمان، الذي يضمن له السعادة في الدنيا، والنجاة من العذاب في الآخرة. ومن سعادة الإنسان حصوله على حقوقه، وتمتعه بكرامته، وعدم خوفه مما سيستقبله، ولن يكون ذلك إلا من خلال هذا الدين العظيم، الذي كتابه أحسن الكتب، ورسوله أفضل الرسل، وأمته خير الأمم. الإنسان مهما كان جنسه، يسعى أن يكون حراً في شخصيته، لا يستعبده مثله، كريماً في ذاته، لا يكون ممقوتاً من قبل بني جنسه، له حق التصرف فيما يملكه، لا يعتدى على عرضه ولا على ماله، ولا يراق دمه، ولا يضر بعقله، يعرف واجباته فيؤديها، ويعلم بحقوقه فلا يطالب بغيرها، وهذا كله وغيره مما يكون سبباً في سعادة الإنسان، ولا يوجد إلا في الإسلام النظام الكامل والمنهج الشامل الذي يكفل للإنسان حقوقه، ويضمن له سعادته في العاجلة والآخرة، وصدق الله: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنزلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}، قالوا: ربنا الله، أي أقروا بربوبيته، وشهدوا له بوحدانيته، والتزموا بطاعته، ثم استقاموا على ذلك طوال حياتهم، وهذا هو الإسلام، فعند انتقالهم من الدنيا، وفي لحظات توديعهم لحياتهم القصيرة، تطمئنهم الملائكة ألا يخافون مما أمامهم، ولا يحزنون على ما سيتركون خلفهم، وتبشرهم بالجنة التي وعدهم ربهم، وذلك نتيجة تمسكهم بالإسلام، وعملهم بتعاليمه. فالإسلام دين عظيم، يكفل للإنسان حقوقه، ويضمن له مستقبله، ولذلك رضيه الله ديناً له، وجعله مرجعاً له، متى ما أراد كرامته وعزته وسلامته، بل وسعادته في دنياه، وسلامته في آخرته، ولكن الإنسان أحياناً لجهله، وانسياقه خلف شهواته وملذاته، وانقياده لهواه وشيطانه، يزهد في هذا الدين العظيم، ويعرض عن هذا النظام القويم. إن الإسلام يكفل للإنسان حقه في الحياة، بحفظ دمه، فلا يجيز قتله بغير حق مهما كان هذا الإنسان، كما قال تبارك وتعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقّ} يقول ابن سعدي -رحمه الله-: وهذا شامل لكل نفس حرم الله قتلها من صغير وكبير وذكر وأنثى وحر وعبد ومسلم وكافر له عهد. بل سد الذرائع المؤدية لقتله، بل قطع الطريق عليه حتى إن أراد قتل نفسه بنفسه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (من تردّى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تحسى سماً فقتل نفسه فسمّه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً فيها أبداً). وكذلك الإسلام يكفل للإنسان كرامته، ولا يسمح بالإساءة له حتى ولو بالكلام والإشارة، ولذلك حرم سبه ونبزه ولمزه، وغيبته ونم كلامه لغيره، وإفشاء سره والتجسس عليه، والسخرية منه، وإساءة الظن به، بل حفظ الإسلام للإنسان كرامته حتى بعد موته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (كسر عظم الميت ككسره حياً). حائل